عِنْدَنَا أَنَّهُمْ نُهُوا عَنْ الرِّبَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {، وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: ١٦١] فَمُبَاشَرَتُهُمْ ذَلِكَ لَا تَكُونُ عَنْ تَدَيُّنٍ، بَلْ لِفِسْقٍ فِي الِاعْتِقَادِ، وَالتَّعَاطِي فَيُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ.
وَإِذَا تَبَايَعَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجُوا فَأَسْلَمُوا، أَوْ صَارُوا ذِمَّة، قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضُوا، أَوْ يَقْبِضَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ اخْتَصَمُوا فِي ذَلِكَ أَبْطَلْتُهُ، لِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ كَمَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ، تَمْنَعُ الْقَبْضَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَفَوَاتُ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ،، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٨]، وَسَبَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ «أَسْلَمَ ثَقِيفُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَدَعُوا الرِّبَا، وَكَانَ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَأْخُذُوا الرِّبَا مِنْ بَنِي الْمُغِيرَةِ، وَبَنُو الْمُغِيرَةِ يَرْبُونَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَتَّابُ بْنَ أَسِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى مَكَّةِ أَمِيرًا فَطَلَبَ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَا بَقِيَ لَهُمْ مِنْ الرِّبَا، وَأَبَى ذَلِكَ بَنُو الْمُغِيرَةِ فَاخْتَصَمُوا إلَى عَتَّابٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَكَتَبَ فِيهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ، وَكَتَبَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَتَّابٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِأَنْ يَدَعُوا لَهُمْ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا أَوْ يَسْتَعِدُّوا لِلْحَرْبِ» فَعَرَفْنَا أَنْ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ الْقَبْضَ، كَمَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَصَمُوا بَعْدَ التَّقَابُضِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُمْ يُؤْمَرُونَ بِرَدِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقَابُضَ بَعْدَ الْعِصْمَةِ بِالْإِحْرَازِ كَانَ بَاطِلًا شَرْعًا، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ يُبَايِعُ الْحَرْبِيَّ بِذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ، وَخَرَجَ إلَى دَارِنَا قَبْلَ التَّقَابُضِ فَإِنْ خَاصَمَهُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي أَبْطَلَهُ، وَإِنْ كَانَا تَقَابَضَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ اخْتَصَمَا لَمْ أَنْظُرْ فِيهِ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ أَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ بِالدِّرْهَمِ، أَوْ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ طَيَّبَ نَفْسَ الْكَافِرِ بِمَا أَعْطَاهُ، قَلَّ ذَلِكَ، أَوْ كَثُرَ، وَأَخَذَ مَالَهُ بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةَ كَمَا قَرَّرَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الصَّرْفِ بَيْنَ الْمَوْلَى، وَعَبْدِهِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَيْسَ بَيْن الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ رِبًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا رِبًا بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ؛»، وَلِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِبَيْعٍ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ، وَالْبَيْعُ: مُبَادَلَةُ مِلْكٍ بِمِلْكٍ غَيْرِهِ فَأَمَّا جَعْلُ بَعْضِ مَالِهِ فِي بَعْضٍ فَلَا يَكُونُ بَيْعًا، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا رِبًا أَيْضًا، وَلَكِنْ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُرَدَّ مَا أَخَذَهُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مَشْغُولٌ بِحَقِّ غُرَمَائِهِ، وَلَا يُسْلَمُ لَهُ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ دَيْنِهِ، كَمَا لَوْ أَخْذَهُ لَا بِجِهَةِ الْعَقْدِ، وَسَوَاءٌ كَانَ اشْتَرَى مِنْهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ، أَوْ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ مَا أَعْطَى لَيْسَ بِعِوَضٍ سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَ لِحَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute