الْمُسْتَأْجِرُ غَاصِبًا لَهَا ضَامِنًا؛ لِمَا انْهَدَمَتْ مِنْ سُكْنَاهُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي آجَرَهُ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ بِمُبَاشَرَةِ عَقْدِ الضَّمَانِ وَلَا يَكُونُ لِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُؤَاجِرَ إلَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِنَاءً عَلَى غَصْبِ الْعَقَارِ.
رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُؤَاجِرَ مَنْزِلًا لَهُ فَوَهَبَهُ الْوَكِيلُ لِرَجُلٍ أَوْ أَعَارَهُ إيَّاهُ فَسَكَنَهُ سِنِينَ، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَى الْوَكِيلِ وَلَا عَلَى السَّاكِنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَاصِبٌ فَالْوَكِيلُ فِي الْهِبَةِ وَالْإِعَارَةِ مُخَالِفٌ وَلَكِنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَتَقَوَّمُ عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ.
رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ مَنْزِلًا وَالْمَنْزِلُ مُقْفَلٌ فَقَالَ لَهُ رَبُّ الْمَنْزِلِ خُذْ الْمِفْتَاحَ وَافْتَحْهُ وَاسْكُنْهُ فَفَتَحَ الرَّجُلُ الْمَنْزِلَ وَأَعْطَى أَجْرَ الْحَدَّادِ لِفَتْحِ الْقُفْلِ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَعْطَى الْحَدَّادَ عَلَى رَبِّ الْمَنْزِلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَأْمُورًا مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَنْزِلِ، وَإِنْ انْكَسَرَ الْقُفْلُ مِنْ مُعَالَجَةِ الْحَدَّادِ فَالْحَدَّادُ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَيَكُونُ ضَامِنًا؛ لِمَا جَنَتْ يَدُهُ وَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ الْقُفْلَ إذَا عَالَجَهُ بِمَا يُعَالَجُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقُفْلِ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي فَتْحِهِ وَلَيْسَ لَهُ عِوَضٌ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي فَتْحٍ الْقُفْلِ، وَكَذَلِكَ إنْ عَالَجَهُ الْحَدَّادُ عِلَاجًا خَفِيفًا فَانْكَسَرَ يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الِانْكِسَارَ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يُضَمَّنُ بِمَا يُتْلَفُ لَا بِعَمَلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ إجَارَةِ الْحَمَّامَاتِ]
(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذُكِرَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: قَدِمَتْ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَأَلَنِي عَنْ مَالِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ لِي غِلْمَانًا حَجَّامِينَ لَهُمْ غَلَّةٌ وَحَمَّامًا لَهُ غَلَّةٌ فَكَرِهَ لِي غَلَّةَ الْحَجَّامِينَ وَغَلَّةَ الْحَمَّامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ، فَأَمَّا غَلَّةُ الْحَمَّامِ فَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ) قَالُوا الْحَمَّامُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَرَّ بَيْتٍ، تُكْشَفُ فِيهِ الْعَوْرَاتُ، وَتُصَبُّ فِيهِ الْغُسَالَاتُ وَالنَّجَاسَاتُ»، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ حَمَّامِ الرِّجَالِ وَحَمَّامَ النِّسَاءِ فَقَالُوا: يُكْرَهُ اتِّخَاذُ حَمَّامِ النِّسَاءَ لِأَنَّهُنَّ مُنِعْنَ مِنْ الْخُرُوجِ وَأُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ، وَاجْتِمَاعُهُنَّ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ فِتْنَةٍ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نِسَاءً دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ: أَنَتُنَّ مِنْ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَ وَأَمَرَتْ بِإِخْرَاجِهِنَّ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْحَمَّامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ خُصُوصًا فِي دِيَارِنَا وَالْحَاجَةُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ إلَى الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجَنَابَةِ وَلَا تَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا فِي الْأَنْهَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute