للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ جُمْلَةِ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ، وَلِأَنَّ عَقْدَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَذَلِكَ مَا أَجَازَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا أَجَازَهُ بِوِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ، ثُمَّ اسْتَكْثَرَ مِنْ الشَّوَاهِدِ فِي جَوَازِ تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ عَضَلَهَا فَخَاصَمَتْهُ إلَى السُّلْطَانِ، فَإِنَّهُ يَحِقُّ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَأْمُرَ الْوَلِيَّ بِذَلِكَ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُزَوِّجَهَا؛ السُّلْطَانُ، فَإِذَا صَنَعَتْ هِيَ بِنَفْسِهَا كَيْفَ تَحْكُمُ بِبُطْلَانِ مَا صَنَعَتْ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ وَلَهَا وَلَدٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ وَلَدَهَا مِنْهُ، أَمَا كَانَ يَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَلِيَّ هَذَا الْوَلَدُ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقَتْ أَبَاهَا وَهُوَ مَعْتُوهٌ فَزَوَّجَتْهُ أَمَا كَانَ يَجُوزُ هَذَا، فَإِذَا كَانَتْ تَمْلِكُ أَنْ تُزَوِّجَ أَبَاهَا فَكَيْفَ لَا تَمْلِكُ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا، وَاسْتَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الشَّوَاهِدِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يُجِيزَهُ الْقَاضِي أَوْ الْوَلِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمَا، وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ

[بَابُ نِكَاحِ الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ]

(قَالَ:) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِلرَّجُلِ الْحُرِّ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْإِمَاءِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا أَمَةً وَاحِدَةً، وَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي فُصُولٍ.

(أَحَدُهَا:) أَنَّ الْحُرَّ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، وَلَكِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ عِنْدَنَا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، وَعِنْدَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [النساء: ٢٥] الْآيَةَ إلَى قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٥] فَاَللَّهُ تَعَالَى شَرَطَ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَدَمَ طَوْلِ الْحُرَّةِ، وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَقْتَضِي الْفَصْلَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ لِلْحُرِّ لِضَرُورَةِ خَوْفِ الزِّنَا عَلَى نَفْسِهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ فِي تَزَوُّجِ الْحُرِّ الْأَمَةَ تَعْرِيضَ وَلَدِهِ لِلرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهُ وَهُوَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي الرِّقِّ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِلرِّقِّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعَرِّضَ وَلَدَهُ لِلرِّقِّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ إذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَمْتَنِعَ النِّكَاحُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْوَلَدِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ الْغَيْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ اشْتِبَاهِ نَسَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>