للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْتَقْتُ هَذَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَجَانَسَ الْكَلَامَانِ فَقَوْلُهُ وَإِلَّا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَوْ كَمَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَإِلَّا فَلِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا كُلِّهِ فَالْأَوَّلُ إيجَابٌ صَحِيحٌ وَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ إقْرَارِ الرَّجُلِ فِي نَصِيبِهِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهَا لِفُلَانٍ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ صَحَّ إقْرَارُهُ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ لَهُ عَلَى نَصِيبِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ بِبَعْضِ نَصِيبِهِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ عُشْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِنِصْفِ الدَّارِ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إقْرَارُهُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِأَنْ يُحْمَلَ إقْرَارُهُ عَلَى نَصِيبِهِ.

وَلَوْ قَالَ لَهُ رُبْعُ جَمِيعِ هَذِهِ الدَّارِ وَلِي رُبْعٌ وَنِصْفٌ وَلِصَاحِبِي رُبْعٌ وَنِصْفُهُ وَجَحَدَ شَرِيكُهُ ذَلِكَ فَإِنَّ نِصْفَ الدَّارِ حِصَّةُ الْمُقَرِّ بَيْنَ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ لِلْمُقِرِّ سَهْمَانِ وَلِلْمُقَرِّ لَهُ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُعَامِلُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ نَفْسَهُ كَأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ حَقٌّ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ زَعَمَ الْمُقِرُّ هُنَا أَنْ حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي سَهْمَيْنِ مِنْ ثُلُثِهِ وَحَقِّي فِي ثُلُثِهِ وَحَقُّ شَرِيكِي فِي ثُلُثِهِ إلَّا أَنَّ شَرِيكَهُ ظَلَمَهُمَا حِينَ أَخَذَ زِيَادَةً عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الظُّلْمُ عَلَى أَحَدِهِمَا خَاصَّةً بَلْ يُجْعَلُ ذَلِكَ كَالتَّاوِي وَيَبْقَى مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُقَرُّ لَهُ بِسَهْمَيْنِ وَالْمُقِرُّ بِثُلُثِهِ فَيَكُونُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ.

وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفًا وَأَنَّهُ قَدْ قَضَاهَا إيَّاهُ فَوَصَلَ الْإِقْرَارُ بِهَذَا، ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ قَضَاهَا إيَّاهُ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مُحَالٌ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَمَا قَضَاهُ قَبْلَ هَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَكَانَ مُنَاقِضًا فِي دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْكَلَامُ الْمُحَالُ وَالتَّنَاقُضُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَكِنْ اُسْتُحْسِنَ لِلْعُرْفِ فَإِنَّ النَّاسَ يَذْكُرُونَ هَذَا اللَّفْظَ وَيُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ هَذَا الثَّوْبُ لِلْأَمِيرِ كَسَانِيهِ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ لِلْأَمِيرِ حَمَلَنِي عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ لَا أَنَّهُ فِي الْحَالِ لَهُ كَذَلِكَ هُنَا.

وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَا سَكَتَ قَضَيْتُهَا إيَّاهُ قَبْلَ أَنْ أُقِرَّ بِهَا وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَضَيْتُهَا إيَّاهُ بَيَانٌ مُغَايِرٌ لِظَاهِرِ كَلَامِهِ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ الْإِخْبَارُ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ كَانَ وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ إنَّمَا يُسْمَعُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا، فَإِذَا سَكَتَ تَقَرَّرَ الْمَالُ عَلَيْهِ وَاجِبًا فِي الْحَالِ فَهُوَ فِي قَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>