للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَظِيمًا سَمِينًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «ضَحُّوا بِالثَّنِيَّاتِ، وَلَا تُضَحُّوا بِالْجِذْعَانِ»، وَلِأَنَّ الْجَذَعَ نَاقِصٌ، وَقَدْ أُمِرْنَا فِي الضَّحَايَا بِالِاسْتِعْظَامِ وَالِاسْتِشْرَافِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَظِّمُوا ضَحَايَاكُمْ فَإِنَّهَا عَلَى الصِّرَاطِ مَطَايَاكُمْ».

فَأَمَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ يُجْزِئُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا سَاقَ جَذَعًا إلَى مِنًى فَبَادَتْ عَلَيْهِ فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ فَانْتَهِبُوهَا»، ثُمَّ الثَّنِيُّ مِنْ الْغَنَمِ وَهُوَ الَّذِي تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْأَدَبِ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ الَّذِي تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْبَقَرِ الَّذِي تَمَّ لَهُ حَوْلَانِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَمِنْ الْإِبِلِ الَّذِي تَمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ وَالْجَذَعُ مِنْ الْإِبِلِ مَا تَمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ وَمِنْ الْبَقَرِ مَا تَمَّ لَهُ حَوْلَانِ وَهَكَذَا مِنْ الْغَنَمِ عِنْدَ أَهْلِ الْأَدَبِ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ إذَا تَمَّ لَهُ سَبْعَةُ أَشْهُرٍ فَهُوَ جَذَعٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْمَعْزِ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ الضَّأْنِ خَاصَّةً.

[أَوَّلُ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ]

ثُمَّ أَوَّلُ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا أَنَّ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ. فَمَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي الْمِصْرِ لَا تُجْزِئُهُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ لَا لِعَدَمِ الْوَقْتِ؛ وَلِهَذَا جَازَتْ التَّضْحِيَةُ فِي الْقُرَى بَعْدَ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ وَدُخُولُ الْوَقْتِ لَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى إنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى صَلَاةُ الْعِيدِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا هَذَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي خُطْبَتِهِ «مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ فَقَامَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ بَشَّارٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إنِّي عَجَّلْت نَسِيكَتِي لِأُطْعِمَ أَهْلِي وَجِيرَانِي فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ فَأَعِدْ نَسِيكَتَك فَقَالَ عِنْدِي عَتُودٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ فَقَالَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - تُجْزِئُك، وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك».

وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَذْبَحَ»

وَمَنْ يَذْبَحُ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ لَمْ تُجْزِهِ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُصَلَّى فِيهِ صَلَاةُ الْعِيدِ عَادَةً جَازَتْ الْأُضْحِيَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ صَلُّوا جَازَتْ التَّضْحِيَةُ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِتَأْخِيرِ الْإِمَامِ الصَّلَاةَ كَمَا لَوْ زَالَتْ الشَّمْسُ، وَلَكِنْ نَقُولُ الْوَاجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ الْمَنْصُوصِ، وَمَا بَقِيَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ فِي هَذَا الْيَوْمِ؛ وَلِهَذَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ.

قَالَ (وَإِذَا ذَبَحَهَا بَعْدَ مَا انْصَرَفَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا)

<<  <  ج: ص:  >  >>