للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَخْصُوصًا بِكَوْنِ الْأُضْحِيَّةِ مَكْتُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا قَالَ.

وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا لَا يُضَحِّيَانِ فِي حَالِ الْإِعْسَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَاهَا النَّاسُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُعْسِرِينَ، أَوْ فِي حَالِ السَّفَرِ وَهُوَ تَأْوِيلُ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا كَلَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَايَسَةِ وَالْعِبَادَاتُ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا، وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِدْلَالِ نَقُولُ هَذِهِ قُرْبَةٌ يُضَافُ إلَيْهَا، وَفِيهَا فَتَكُونُ وَاجِبَةً كَالْجُمُعَةِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهُ يُقَالُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ إضَافَةَ الْوَقْتِ إلَيْهِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِيهِ، وَلَا يَكُونُ مَوْجُودًا فِيهِ لَا مَحَالَةَ إلَّا وَأَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً لِجَوَازِ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِيهِ اسْتِحْقَاقًا.

وَلِجَوَازِ الْأَدَاءِ فِيهِ لَا يَصِيرُ الْوَقْتُ مُضَافًا إلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ يَجُوزُ فِيهَا الصَّوْمُ، ثُمَّ لَا يُسَمَّى شَهْرُ الصَّوْمِ إلَّا رَمَضَانَ فَعَرَفْنَا أَنَّ إضَافَةَ الْوَقْتِ إلَى الْقُرْبَةِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا فِيهِ، وَإِنَّمَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ لِمَعْنَى الْمَشَقَّةِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ يَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ اسْتِصْحَابُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَيَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ لَا تَلْزَمُهُ كَالْجُمُعَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ بِإِذْنِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَإِنَّهُ بِالتَّضْحِيَةِ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا} [البقرة: ٥٨] وَلَمَّا كَانَ مِنْ جِنْسِ التَّقَرُّبِ بِالتَّمْلِيكِ مَا هُوَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً. فَكَذَلِكَ مِنْ جِنْسِ التَّقَرُّبِ بِالْإِتْلَافِ مَا هُوَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَفِي الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا شَرْعًا فَإِنَّ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا شَرْعًا لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ.

ثُمَّ يَخْتَصُّ جَوَازُ الْأَدَاءِ بِأَيَّامِ النَّحْرِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ عِنْدَنَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا. فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَمْ تَجُزْ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَجُوزُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْقُرْبَةَ تَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ دُونَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَدَاؤُهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ لَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ عَلَى مَا قِيلَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَالْمَعْلُومَاتُ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.

وَتَمْضِي هَذِهِ السُّنَّةُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَعْدُودَاتِ خَاصَّةً وَالْيَوْمُ الْآخَرُ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ خَاصَّةً وَقِيلَ الْمَعْلُومَاتُ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.

ثُمَّ يَخْتَصُّ جَوَازُ الْأُضْحِيَّةِ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا الثَّنِيُّ مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ وَيُجْزِئ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ إذَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>