للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ، فَإِنَّهُ تُقْتَلُ عَبِيدُهُمْ كَأَحْرَارِهِمْ، وَإِنَّمَا الِاسْتِرْقَاقُ بِمَنْزِلَةِ إعْطَاءِ الْأَمَانِ، وَبِعَقْدِ الذِّمَّةِ يَنْتَهِي الْقِتَالُ فِي حَقِّ مَنْ يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ لَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ كَمَا فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَالْمُرْتَدُّونَ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ فَلِهَذَا لَا يَنْتَهِي الْقِتَالُ فِي حَقِّهِمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ، وَالشَّيْخُ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ يُقْتَلُ فِي الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ، وَالرِّدَّةُ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا مِمَّنْ لَهُ رَأْيٌ، وَالتَّرَهُّبُ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِنُصْرَةِ دِينِ الْحَقِّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ» وَبِدُونِ تَحَقُّقِ السَّبَبِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ، وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَوِي الْأَعْذَارِ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يُقْتَلُونَ فِي الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ حُلُولَ الْآفَةِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ الْقِتَالُ، فَمَنْ لَا يَسْقُطُ الْقِتَالُ عَنْهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ فِي الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ فَكَذَلِكَ بِحُلُولِ الْآفَةِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَوُو الْأَعْذَارِ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ يُقْتَلُونَ، وَقِيلَ حُلُولُ الْآفَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّهُ تَخْرُجُ بِهِ نِيَّتُهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِلْقِتَالِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُقْتَلُونَ بَعْدَ الرِّدَّةِ كَمَا لَا يُقْتَلُونَ فِي الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ قُلْنَا تُسْتَرَقُّ إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَإِنَّ بَنِي حَنِيفَةَ لَمَّا ارْتَدُّوا اسْتَرَقَّ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نِسَاءَهُمْ، وَأَصَابَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَارِيَةً مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدَ بْنَ حَنَفِيَّةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَذَكَرَ عَاصِمٌ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي النِّسَاءِ إذَا ارْتَدَدْنَ يُسْبَيْنَ وَلَا يُقْتَلْنَ، وَهَذَا لِأَنَّهَا كَالْحَرْبِيَّةِ، وَالِاسْتِرْقَاقُ مَشْرُوعٌ فِي الْحَرْبِيَّاتِ، وَمَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُسْتَرَقُّ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا الْمُتَأَكِّدَةَ بِالْإِحْرَازِ لَمْ تَبْطُلْ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ، وَهِيَ دَافِعَةٌ لِلِاسْتِرْقَاقِ، وَإِنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ لَيْسَتْ بِدَارِ الِاسْتِرْقَاقِ، وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تُسْتَرَقُّ؛ لِأَنَّا لَمَّا جَعَلْنَا الْمُرْتَدَّ بِمَنْزِلَةِ حَرْبِيٍّ مَقْهُورٍ لَا أَمَانَ لَهُ فَكَذَلِكَ الْمُرْتَدَّةُ بِمَنْزِلَةِ حَرْبِيَّةٍ مَقْهُورَةٍ لَا أَمَانَ لَهَا فَتُسْتَرَقُّ، وَإِنْ كَانَتْ فِي دَارِنَا.

[تَصَرَّفَتْ فِي مَالِهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ]

فَإِنْ تَصَرَّفَتْ فِي مَالِهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهَا مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ مِلْكِهَا، بِخِلَافِ الرَّجُلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ قَالَ: الْمَرْأَةُ لَا تُقْتَلُ، وَالرَّجُلُ يُقْتَلُ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ تَبَعٌ لِعِصْمَةِ النَّفْسِ، فَبِالرِّدَّةِ لَا تَزُولُ عِصْمَةُ نَفْسِهَا حَتَّى لَا تُقْتَلَ فَكَذَلِكَ عِصْمَةُ مَالِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَلِهَذَا اسْتَوَتْ بِالرَّجُلِ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ اللُّحُوقِ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ نَفْسِهَا تَزُولُ بِلِحَاقِهَا حَتَّى تُسْتَرَقَّ، وَالِاسْتِرْقَاقُ إتْلَافٌ حُكْمًا فَكَذَلِكَ عِصْمَةُ مَالِهَا.

فَإِنْ مَاتَتْ فِي الْحَبْسِ أَوْ لَحِقَتْ بِدَارُ الْحَرْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>