للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُسِّمَ مَالُهَا بَيْنَ وَرَثَتِهَا، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ كَسْبُ إسْلَامِهَا وَكَسْبُ رِدَّتِهَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ رِدَّتِهَا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْبَيْنِ مِلْكَهَا فَيَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهَا، وَلَا مِيرَاثَ لِزَوْجِهَا مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا بِنَفْسِ الرِّدَّةِ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَلَمْ تَصِرْ مُشْرِفَةً عَلَى الْهَلَاكِ فَلَا تَكُونُ فِي حُكْمِ الْفَارَّةِ الْمَرِيضَةِ، وَلِزَوْجِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا بَعْدَ لِحَاقِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ حَرْبِيَّةً فَكَانَتْ كَالْمَيِّتَةِ فِي حَقِّهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهَا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا، وَلِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الْحَرْبِيَّةِ مِنْ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا حَقُّ الزَّوْجِ، وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ مُنَافٍ لَهُ، فَإِنْ سُبِيَتْ أَوْ عَادَتْ مُسْلِمَةً لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ نِكَاحُ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا سَقَطَتْ الْعِدَّةُ عَنْهَا لَا تَعُودُ مُعْتَدَّةً، ثُمَّ إنْ جَاءَتْ مُسْلِمَةً فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ سَاعَتِهَا؛ لِأَنَّهَا فَارِغَةً عَنْ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ، وَإِنْ سُبِيَتْ أُجْبِرَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا كَانَتْ تُجْبَرُ عَلَيْهِ قَبْلَ لِحَاقِهَا.

وَإِنْ وَلَدَتْ بِأَرْضِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ، وَمَعَهَا وَلَدُهَا كَانَ وَلَدُهَا فَيْئًا مَعَهَا؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا بِمَنْزِلَتِهَا، وَهِيَ حَرْبِيَّةٌ تُسْتَرَقُّ فَكَذَلِكَ وَلَدُهَا.

وَإِذَا رَفَعَتْ الْمُرْتَدَّةُ إلَى الْإِمَامِ فَقَالَتْ مَا ارْتَدَدْت، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَهَذَا تَوْبَةٌ مِنْهَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ تَوْبَةَ الْمُرْتَدِّ بِالْإِقْرَارِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَالتَّبَرِّي عَمَّا كَانَ انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ بِالْإِنْكَارِ يَحْصُلُ نِهَايَةُ التَّبَرِّي فَلِهَذَا كَانَ ذَلِكَ تَوْبَةً مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا.

وَيُقْتَلُ الْمَمْلُوكُ عَلَى الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ كَالْحُرِّ، وَكَسْبُهُ إذَا قُتِلَ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِ الْكَسْبِ، وَلَا تُقْتَلُ الْمَمْلُوكَةُ وَتُحْبَسُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا بِنْيَةٌ صَالِحَةٌ لِلْقِتَالِ كَالْحُرَّةِ، وَإِذَا كَانَ أَهْلُهَا يَحْتَاجُونَ إلَى خِدْمَتِهَا دَفَعْتُهَا إلَيْهِمْ، وَأَمَرَتْهُمْ بِإِجْبَارِهَا عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ فِي الْمَحَلِّ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِحَاجَةِ الْعَبْدِ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ مُمْكِنٌ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي إجْبَارِهَا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَوْلَاهَا يَنُوبُ فِي ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ فَتُدْفَعُ إلَيْهِ لِيَسْتَخْدِمَهَا، وَيُجْبِرُهَا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَجِنَايَةُ الْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبِ فِي الرِّدَّةِ كَجِنَايَتِهِمْ فِي غَيْرِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمْ بَاقٍ بَعْدَ الرِّدَّةِ، وَالْمُكَاتَبُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ يَدًا وَتَصَرُّفًا كَمَا كَانَ قَبْلَهُ فَيَكُونُ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ فِي كَسْبِهِ.

وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمَمَالِيكِ فِي الرِّدَّةِ هَدَرٌ أَمَّا فِي الذُّكُورِ مِنْهُمْ فَلِاسْتِحْقَاقِ قَتْلِهِمْ بِالرِّدَّةِ، وَمَنْ اسْتَوْفَى قَتْلًا مُسْتَحَقًّا يَكُونُ مُحْسِنًا لَا جَانِيًا، وَفِي الْإِنَاثِ قَتْلُ الْمَمْلُوكَةِ بَعْدَ الرِّدَّةِ كَقَتْلِ الْحُرَّةِ، وَمَنْ قَتَلَ حُرَّةً مُرْتَدَّةً لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا، وَإِنْ ارْتَكَبَ مَا لَا يَحِلُّ، وَيُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْأَمَةُ قَالَ: لِأَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ يَرَى عَلَيْهَا الْقَتْلَ، وَلِأَنَّهَا كَالْحَرْبِيَّةِ، وَالْحَرْبِيَّةُ لَا تُقْتَلُ، وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ الْمُرْتَدَّةُ.

(فَإِنْ قِيلَ) فَلِمَاذَا لَا تُسْتَرَقُّ فِي دَارِنَا.؟ قُلْنَا: لِبَقَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>