[بَابُ الْعِتْقِ فِي الظِّهَارِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ الْعِتْقِ فِي الظِّهَارِ (قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيَجُوزُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ عِتْقُ الرَّقَبَةِ الْعَوْرَاءِ عِنْدَنَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ بِنُقْصَانٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَتْ كَالْعَمْيَاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ: أَنَّ كُلَّ عَيْبٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ يَكُونُ فَاحِشًا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّكْفِيرِ بِهِ وَكُلَّ عَيْبٍ يُرْجَى زَوَالُهُ يَكُونُ يَسِيرًا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّكْفِيرِ بِهِ كَالْحُمَّى وَالشَّجَّةِ وَنَحْوِهَا وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ رَقَبَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَالتَّقْيِيدُ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ يَكُونُ زِيَادَةً، وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ، وَلَكِنَّ مُطْلَقَ الرَّقَبَةِ يَقْتَضِي قِيَامَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْقَائِمُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُطْلَقًا وَالْعَمْيَاءُ مُسْتَهْلَكَةٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْحِسِّ وَهُوَ الْبَصَرُ فَإِنَّ بَقَاءَ الْآدَمِيِّ بِمَنَافِعِهِ مَعْنِيٌّ فَفَوَاتُ مَنْفَعَةِ الْحِسِّ يَكُونُ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ، وَلَيْسَ فِي الْعَوَرِ فَوَاتُ مَنْفَعَةِ الْحِسِّ وَكَذَلِكَ فِي قَطْعِ الْيَدَيْنِ تَفُوتُ مَنْفَعَةُ الْبَطْشِ، وَبِقَطْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ لَا تَفُوتُ، وَكَذَلِكَ أَشَلُّ الْيَدَيْنِ لَا يُجْزِي لِفَوْتِ مَنْفَعَةِ الْحِسِّ، وَمَقْطُوعُ الرِّجْلَيْنِ أَوْ أَشَلُّهُمَا لَا يُجْزِي لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ، وَمَقْطُوعُ أَحَدِ الرِّجْلَيْنِ يُجْزِي لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ لَا تَفُوتُ بِهِ وَكَذَلِكَ مَقْطُوعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمَشْيِ بِالْعَصَا، وَمَنْفَعَةُ الْبَطْشِ بَاقِيَةٌ أَيْضًا فَلَمْ تَكُنْ مُسْتَهْلَكَةً، وَالْمَجْنُونُ، وَالْمَعْتُوهُ لَا يُجْزِي لِفَوَاتِ الْعَقْلِ بِهِ، وَهُوَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُجْزِي؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَقْلِ غَيْرُ فَائِتَةٍ، بَلْ هِيَ قَائِمَةٌ تَسْتَتِرُ تَارَةً، وَتَظْهَرُ أُخْرَى، وَالْخَرْسَاءُ لَا تُجْزِي لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَلَامِ مَقْصُودَةٌ وَالْآدَمِيُّ إنَّمَا بَايَنَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ بِالْبَيَانِ فَفَوَاتُهَا يَكُونُ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ وَتُجْزِي الرَّقَبَةُ الصَّغِيرَةُ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا يُقَالُ إنَّهَا فَائِتَةُ الْمَنَافِعِ مِنْ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ وَالْعَقْلِ وَالْكَلَامِ لِأَنَّهَا عَدِيمَةُ الْمَنَافِعِ إلَى الْإِصَابَةِ عَادَةً فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ عَيْبًا وَلِأَنَّ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ لَا يُعَدُّ نُقْصَانًا فَضْلًا عَنْ الِاسْتِهْلَاكِ
(قَالَ): وَتُجْزِي الرَّقَبَةُ الْكَافِرَةُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْإِفْطَارِ عِنْدَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute