للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي هَذَا السَّبَبِ فَيَكُونُ ضَامِنًا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ قَدْ مَضَى وَسَاقَ بَعِيرَهُ مَعَ ذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلُ الرِّضَى بِفِعْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ فَعَلَ (قَالَ) أَرَأَيْت لَوْ شَقَّ فِيهِ ثُقْبًا صَغِيرًا فَقَالَ صَاحِبُهَا بِئْسَمَا صَنَعْت، ثُمَّ مَضَى وَسَاقَهَا فَزَلَقَ رَجُلٌ بِمَا سَالَ مِنْهُ أَكَانَ يَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ ضَمَانُ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ صَاحِبِهَا حِينَ سَاقَ بَعِيرَهُ، وَلِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَسَخَ بِمَا أَخَذَ بِهِ الثَّانِي مِنْ سَوْقِ الْبَعِيرِ وَنَحْوِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَارَاتِ وَلَعَلَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قِيَاسًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَيْ لَا يَفُوتَ، وَقَدْ جَعَلَ مِثْلَهُ فِي كِتَابِ الْبَحْرِ حِينَ ذَكَرَ بَابًا مِنْ الْإِجَارَاتِ فِي آخِرِ التَّجَزُّؤِ، وَقَدْ بَيَّنَّا شَرْحَ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - زِيَادَةَ مِثْلِهِ هُنَا.

(قَالَ) إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ رَجُلًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَطْحَنَ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ قَفِيزًا إلَى اللَّيْلِ فَهَذَا بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ لَهُ قَفِيزًا، وَلَكِنْ يَقُولُ عَلَى أَنْ يَطْحَنَ لِي يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَأَضَافَ هَذَا الْجَوَابَ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ مَتَى جَمَعَ بَيْنَ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَائِزٌ عِنْدَهُمَا، وَقَدْ جَمَعَ هُنَا بَيْنَ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ، ثُمَّ أَجَابَ بِفَسَادِ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا فَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا عَلَى رُجُوعِهِمَا إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقِيلَ بَلْ اخْتَلَفَ الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِهِمَا بِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَهُنَاكَ ذَكَرَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَمَلِ بِكَمَالِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ ذِكْرَ الْمُدَّةِ لِلِاسْتِعْجَالِ لَا لِتَعْلِيقِ الْعَقْدِ بِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ سَوَاءٌ فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، أَوْ لَمْ يَفْرُغْ وَهُنَا لَمْ يَذْكُرْ جَمِيعَ مَقْصُودِهِ فِي الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَشَرَطَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهِ عَمَلًا لَا يَدْرِي أَيَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ، أَوْ لَا يَقْدِرُ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُدَّةِ لِتَعْلِيقِ الْعَقْدِ بِهَا وَالْعَمَلُ مَقْصُودٌ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ أَيْضًا، وَعِنْدَ اعْتِبَارِهِمَا يَصِيرُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ مَجْهُولًا عَلَى مَا قَرَّرْنَا؛ لِأَنَّ بِاعْتِبَارِ الْمُدَّةِ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي يَجِدُ بِهِ فِي الْمَعْمُولِ وَجَهَالَةُ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي]

(قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمْلَاءً: اعْلَمْ بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ أَقْوَى الْفَرَائِضِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مِنْ أَشْرَفِ الْعِبَادَاتِ لِأَجْلِهِ أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْمَ الْخِلَافَةِ فَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>