[بَابُ الْحَلْقِ]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «الْحَلْقُ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ» لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَثَرِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ بَعْدَ الذَّبْحِ قَضَاءُ التَّفَثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: ٢٩]، وَهُوَ فِي الْحَلْقِ أَتَمُّ وَالتَّقْصِيرُ فِيهِ بَعْضُ الْحَلْقِ فَلِهَذَا كَانَ الْحَلْقُ أَفْضَلَ، وَالتَّقْصِيرُ يُجْزِي وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ، وَرَوَاهُ فِي الْكِتَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سُئِلَ كَمْ تُقَصِّرُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ مِثْلَ هَذِهِ يَعْنِي مِثْلَ الْأُنْمُلَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ الشَّعْرِ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ كَانَ يُتِمُّ تَحَلُّلَهُ بِأَخْذِهِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ الشَّعْرِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ يُتِمُّ تَحَلُّلَهُ بِأَخْذِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ وَالتَّقْصِيرُ، قَائِمٌ مَقَامَ الْحَلْقِ فِي حُكْمِ التَّحَلُّلِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَلَقَ نِصْفَ رَأْسِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ فَعَلَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ، وَكَانَ بِقَدْرِ الثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ فَكَذَلِكَ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِالرَّأْسِ فَالرُّبُعُ مِنْهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْكَمَالِ كَالْمَسْحِ بِالرَّأْسِ، وَلَكِنَّهُ مُسِيءٌ فِي الِاكْتِفَاءِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ، وَأُمِرْنَا بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ» فَمَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى مُوَافَقَةِ فِعْلِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ هَذَا ضِنَةً مِنْهُ بِشَعْرِهِ، وَفِيمَا هُوَ نُسُكٌ تُكْرَهُ الضِّنَةُ فِيهِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ فَكَيْفَ بِالشَّعْرِ
(قَالَ) وَإِذَا جَاءَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَلَيْسَ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ أَجْرَى الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ تَشَبُّهًا بِمَنْ يَحْلِقُ؛ لِأَنَّهُ وُسْعُ مِثْلِهِ، وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَخْرَسَ يُؤْمَرُ بِتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَيَنْزِلُ ذَلِكَ مِنْهُ مَنْزِلَةَ قِرَاءَةِ النَّاطِقِ فَهَذَا مِثْلُهُ
(قَالَ) وَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِالنُّورَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ التَّفَثِ فِيهِ يَحْصُلُ، وَالْمُوسَى أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(قَالَ) وَأَكْرَهُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحَلْقَ حَتَّى تَذْهَبَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَلْقُ لِلتَّحَلُّلِ فِي الْحَجِّ مُؤَقَّتٌ بِالزَّمَانِ، وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ، وَبِالْمَكَانِ، وَهُوَ الْحَرَمُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ، وَلَا بِالْمَكَانِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَوَقَّتُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ فَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ التَّحَلُّلُ عَنْ الْإِحْرَامِ مُعْتَبَرٌ بِابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ، وَابْتِدَاءُ الْإِحْرَامِ مُؤَقَّتٌ بِالزَّمَانِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِالْمَكَانِ حَتَّى يُكْرَهَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمِيقَاتِ فَكَذَلِكَ التَّحَلُّلُ عَنْهُ بِالْحَلْقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute