عَلَى وَجْهِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْمُوَرِّثِ لَا ابْتِدَاءً؛ وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ مَالًا يَقْضِي مِنْهُ دَيْنَ الْمُوَرِّثِ وَتَنْفُذُ وَصَايَا فَاصِلِ الْحَقِّ كَأَنَّهُ ثَابِتٌ لِلْمُوَرِّثِ فَيَصِحُّ بَعْدَ مَا وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِ الْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ كَمَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ، ثُمَّ عَفْوُهُ فِي الِانْتِهَاءِ كَإِذْنِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَإِذْنُهُ فِي الِابْتِدَاءِ مُسْقِطٌ لِلْقَوَدِ عَنْ الْجَانِي حَتَّى إذَا قَالَ: اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهُ فَسَرَى لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَذَلِكَ عَفْوُهُ فِي الِانْتِهَاءِ وَلَوْ عَفَا الْوَلِيُّ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْنِ حَقُّهُ بَعْدُ فَإِنَّ ثُبُوتَ حَقِّهِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَإِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ قَبْلَ أَوَانِهِ كَانَ بَاطِلًا كَمَا إذَا أَبْرَأَ عَنْ دَيْنٍ وَاجِبٍ لِمُوَرِّثِهِ فِي حَيَاتِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ السَّبَبَ يُجْعَلُ قَائِمًا مَقَامَ حَقِيقَةِ وُجُوبِ الْحَقِّ فِي صِحَّةِ الْعَفْوِ وَهَذَا السَّبَبُ انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ لِلْوَارِثِ، وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْمُوَرِّثِ فَيُقَامُ مَقَامَ حَقِيقَةِ وُجُوبِ الْحَقِّ فِي تَصْحِيحِ عَفْوِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ السَّبَبِ الْحَقُّ لِلْمُوَرِّثِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ جِنَايَةٌ عَلَى حَقِّهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَجِبَ لَهُ الْحَقُّ بَعْدَ هَذَا السَّبَبِ وَبِاعْتِبَارِ نَفْسِ الْوَاجِبِ الْحَقُّ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ لَمْ يَجِبْ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ الْمُوَرِّثُ لَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يَجِبَ لَهُ الْحَقُّ فَيَجِبُ لِلْوَارِثِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُرَاعًى فَلِمُرَاعَاةِ السَّبَبِ صَحَّحْنَا عَفْوَ الْمُوَرِّثِ اسْتِحْسَانًا وَلِمُرَاعَاةِ الْوَاجِبِ بِالسَّبَبِ صَحَّحْنَا عَفْوَ الْوَارِثِ اسْتِحْسَانًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: ٢٣٧] وَقَالَ {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥] فَيَجِبُ تَصْحِيحُهُ مَا أَمْكَنَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ]
(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -) الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ، وَالضَّرْبَةِ، وَالشَّجَّةِ، وَالْجِرَاحَةِ يَكُونُ عَفْوًا عَنْ السِّرَايَةِ وَبَيَانُهُ أَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ، أَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَفَوْت عَنْ الْقَطْعِ، أَوْ عَنْ الشَّجَّةِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ جَازَ الْعَفْوُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ، فَالْعَفْوُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ النُّقْصَانُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْعَفْوُ صَحِيحٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ: عَفَوْتُك عَنْ الْجِنَايَةِ، أَوْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا، أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ صَحَّ الْعَفْوُ بِالِاتِّفَاقِ وَهُمَا يَقُولَانِ عَفَا عَنْ حَقِّهِ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عَدَّ السِّرَايَةِ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي الطَّرَفِ فَقَبْلَ السِّرَايَةِ أَوْلَى.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَفْوَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ فِيهِمَا جَمِيعًا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا، ثُمَّ الْإِذْنُ فِي الِابْتِدَاءِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute