الْكِتَابَةَ عَلَى قِيَاسِ الْبَيْعِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبَيْعِ أَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ بَاطِلٌ فَكَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ فَيَبْقَى الْعَبْدُ مُدَّعِيًا لِلْكِتَابَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ فَإِقْرَارُهُ بِهِ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَالًا، ثُمَّ نَقُولُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْآخَرِ الْمَوْلَى لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إنْكَارِ أَصْلِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ مَا أَقَرَّ بِهَا، وَإِنْ ادَّعَى مَالًا خِلَافَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ تَصْدِيقُ الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا إذَا ادَّعَى الْمَوْلَى خِلَافَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ لَمْ يُصَدَّقْ الْعَبْدُ وَتَحَالَفَا فَكَذَلِكَ هُنَا.
وَلَوْ قَالَ: كَاتَبْتُكَ أَمْسِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلْ الْكِتَابَةَ، وَقَالَ الْعَبْدُ بَلْ قَبِلْتُهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي هَذَا قِيَاسُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَيَلْزَمُ الْإِيجَابُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبُولِ فَإِقْرَارُهُ بِالْعَقْدِ يَكُونُ إقْرَارًا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ جَمِيعًا، ثُمَّ قَوْلُهُ فَلَمْ تُقْبَلْ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْبَلْ، وَقَالَ فُلَانٌ: قَبِلْتُ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، وَالْإِيجَابُ فِيهِ لَازِمٌ قَبْلَ الْقَبُولِ فَإِقْرَارُهُ بِفِعْلِهِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِقَبُولِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ هَذَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لَا بَلْ هَذَا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْكِتَابَةَ جَازَ ذَلِكَ لَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ رُجُوعَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ بَاطِلٌ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَاتَبَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا هَذَا؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ أَخْرَجَ كَلَامَهُ مَخْرَجَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ مَوْصُولًا فَإِنَّمَا يَصِيرُ مُقِرًّا بِمَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، وَفِي الْأَوَّلِ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرُّجُوعِ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَاتَبَهُ، وَهُوَ صَبِيٌّ، فَقَالَ الْمُكَاتَبُ بَلْ كَاتَبْتَنِي وَأَنْتَ رَجُلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي الْكِتَابَةَ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَاتَبَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ أَوْ أَنَّهُ كَاتَبَهُ أَمْسِ، وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ كَلَامَهُ بِمَا يَنْفِي أَصْلَ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الْمَوْلَى: اشْتَرَطْتُ الْخِيَارَ لَانْتَفَى أَصْلُ الْعَقْدِ فَإِنَّ تَأْثِيرَ الْخِيَارِ فِي تَغْيِيرِ وَصْفِ الْعَقْدِ وَجَعْلِ حُكْمِهِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِالشَّرْطِ لَا أَنْ يَصِيرَ أَصْلُ السَّبَبِ مُتَعَلِّقًا فَلَمْ يَكُنِ الْمَوْلَى بِدَعْوَى الْخِيَارِ مُنْكِرًا لِأَصْلِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْبَيْعِ فِي هَذَا قِيَاسُ الْكِتَابَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ إقْرَارِ الْكُفَّارِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا أَقَرَّ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِدَيْنٍ لِمُسْلِمٍ فَهُوَ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute