أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ فَيُكْرَهُ لَهُ اكْتِسَابُ سَبَبِ الْفِرَارِ وَهَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ فِي الْأُخْتَيْنِ]
قَالَ: وَإِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ أَمَةً ثُمَّ اشْتَرَى أُخْتَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَ الثَّانِيَةَ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] وَكَانَ فِي هَذَا الْفَصْلِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: أَحَلَّتْهَا آيَةٌ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] فَكَانَ يَتَوَقَّفُ فِيهِ وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُرَجِّحُ آيَةَ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَطْئًا فَهُوَ نَصٌّ خَاصٌّ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا فَالنِّكَاحُ سَبَبٌ مَشْرُوعٌ لِلْوَطْءِ فَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَطْئًا وَأَخَذْنَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - احْتِيَاطًا لِتَغْلِيبِ الْحُرْمَةِ عَلَى الْحِلِّ وَالْإِبَاحَةِ وَلِذَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فِي شَيْءٍ إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ».
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْأُولَى حَتَّى اشْتَرَى الثَّانِيَةَ أَوْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَبِوَطْءِ إحْدَاهُمَا لَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِمَا هُوَ الْمُحَرَّمُ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطْئًا فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْأُخْرَى صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا، فَإِنْ وَطِئَهُمَا جَمِيعًا أَوْ قَبَّلَهُمَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجَيْهِمَا بِشَهْوَةٍ فَقَدْ أَسَاءَ بِارْتِكَابِ الْجَمْعِ الْمُحَرَّمِ فَكَمَا يُحَرَّمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي دَوَاعِي الْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ مِنْ جُمْلَةِ الدَّوَاعِي كَالنِّكَاحِ وَلِهَذَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَمَا تَثْبُتُ بِالْوَطْءِ ثُمَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ إحْدَاهُمَا بِبَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ تَبَرُّعٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا، وَالْآخِرَةُ مَوْطُوءَتُهُ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ مَوْطُوءَتَهُ عَلَى الْخُصُوصِ لَمْ يَكُنْ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا بِالْمِلْكِ حَتَّى يُحَرِّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ بَعْدَمَا وَطِئَهُمَا فَإِنْ زَوَّجَ إحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَطَأَ الْبَاقِيَةَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ صَارَتْ فِرَاشًا لِلزَّوْجِ وَثُبُوتُ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ لِلزَّوْجِ يَنْعَدِمُ أَثَرُ وَطْءِ الْمَوْلَى حُكْمًا وَلِهَذَا لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى وَإِنْ ادَّعَاهُ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى مِنْ سَاعَتِهِ فَهُنَا أَيْضًا لَهُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute