وَهُوَ عِنْدَ التَّعَاطِي فَمُجَرَّدُ الْقَبُولُ أَوْلَى أَنْ يَحْتَمِلَ السُّقُوطَ، وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ فِي الْحُكْمِ مُلْحَقٌ بِالْجَائِزِ، وَالْقَبْضُ هُنَاكَ نَظِيرُ الْقَبُولِ هُنَا فِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْقَبْضَ مُدْرَجًا فِي كَلَامِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِعْلٌ - وَالْقَوْلُ لَا يَتَضَمَّنُ الْفِعْلَ - إنَّمَا يَتَضَمَّنُ قَوْلَهُ مِثْلَهُ.
وَالْقَبُولُ قَوْلٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَنْدَرِجَ فِي كَلَامِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدَ قَابِضًا نَفْسَهُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إبْطَالٌ لِلْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ، وَالْعَبْدُ إنَّمَا يَقْبِضُ مَا يَسْلَمُ لَهُ دُونَ مَا لَا يَسْلَمُ لَهُ، وَبِهِ فَارَقَ الطَّعَامَ، فَإِنَّ الْمِسْكِينَ يَقْبِضُ عَيْنَ الطَّعَامِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَابِضًا لِلْآمِرِ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ يَنْتَفِعُ بِهَذَا الْإِعْتَاقِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَنْدَرِجُ فِيهِ أَدْنَى الْقَبْضِ، وَلَكِنَّ أَدْنَى الْقَبْضِ يَكْفِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلَا يَكْفِي فِي الْهِبَةِ كَالْقَبْضِ مَعَ الشُّيُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَمَعَ الِاتِّصَالِ فِي الثِّمَارِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ يَكْفِي لِوُقُوعِ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ دُونَ الْهِبَةِ. وَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ.
(قَالَ): وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُظَاهِرُ عَبْدَهُ عَلَى جُعْلٍ لَمْ يَجُزْ قَلَّ الْجُعْلُ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ بِمَا يَخْلُصُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَعَمَلُهُ فِي الْعِتْقِ بِجُعْلٍ لَا يَكُونُ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْعِوَضَ، وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ فَمَنْ عَمِلَ لِي عَمَلًا، وَأَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ كُلُّهُ لِذَلِكَ الشَّرِيكِ، وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ.» وَإِنْ وَهَبَ لَهُ الْجُعْلَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا إبْرَاءٌ عَنْ الدَّيْنِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الصِّيَامِ فِي الظِّهَارِ]
قَالَ: وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُظَاهِرُ مَا يَعْتِقُ عَنْ ظِهَارِهِ فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِالنَّصِّ، فَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِمَا يَوْمًا لِمَرَضٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الصِّيَامِ، لِفَوَاتِ صِفَةِ التَّتَابُعِ بِفِطْرِهِ. - وَالْوَاجِبُ الْمُقَيَّدُ بِوَصْفٍ شَرْعًا لَا يَتَأَدَّى بِدُونِهِ - وَكَذَلِكَ إنْ أَيْسَرَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّوْمِ انْتَقَضَ صِيَامُهُ، وَعَلَيْهِ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ إسْقَاطُ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرَيْنِ، وَهُوَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَالطَّارِئُ مِنْ الْيَسَارِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ كَالْمُقْتَرِنِ بِحَالَةِ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ انْتَقَضَ صَوْمُهُ فِي حُكْمِ جَوَازِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَأَمَّا أَصْلُ الصَّوْمِ بَاقٍ فَيُسْتَحَبُّ إتْمَامُهُ نَفْلًا؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الصَّوْمِ إنَّمَا يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ.
(قَالَ): وَلَوْ صَامَ شَهْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا - شَهْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute