كَذَّبَهُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِمَّا يَجِبُ فِي الْعَمْدِ مِنْهُ الْقِصَاصُ، وَإِذَا قَتَلَ النَّائِمُ إنْسَانًا بِأَنْ سَقَطَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ بِيَدِهِ شَيْءٌ فَضَرَبَهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ دُونَ الْخَطَأِ حَقِيقَةً فَإِنَّ النَّائِمَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْدِ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَجَعَلَهُ مَحْرُومًا مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِتَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ تَنَاوَمَ، وَلَمْ يَكُنْ نَائِمًا حَقِيقَةً، وَهَذَا مُعْتَبَرٌ فِي حِرْمَانِ الْإِرْثِ، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلِتَرْكِهِ التَّحَرُّزَ فِي مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَصِيرَ قَاتِلًا لِإِنْسَانٍ فِي نَوْمِهِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الْخَطَأِ إنَّمَا وَجَبَتْ لِتَرْكِ التَّحَرُّزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الدِّيَاتِ.]
(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَتْلِ خَطَأً وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِذَلِكَ فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا شَهِدَ بِفِعْلٍ، وَالْآخَرَ بِقَوْلٍ، وَالْقَوْلُ غَيْرُ الْفِعْلِ، وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا بِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَى الْقَتْلِ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ، أَوْ الْمَكَانِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَحْتَمِلُ التَّكْرَارَ خُصُوصًا الْقَتْلُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَا يَشْهَدُ بِهِ صَاحِبُهُ وَذَلِكَ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَشُهُودِ الْغَصْبِ إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَكَانِ، وَالزَّمَانِ، ثُمَّ هَاهُنَا الْقَاضِي يُوقِنُ بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا قَبِلَ فِي يَوْمٍ وَفِي مَكَان لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقْبَلَهُ فِي مَكَان آخَرَ فِي يَوْمٍ آخَرَ وَبَعْدَمَا تَيَقَّنَ الْقَاضِي بِكَذِبِ الشَّاهِدِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَا فِيمَا قَتَلَهُ بِهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: كَانَ بِحَجَرٍ وَقَالَ الْآخَرُ: بِعَصًا؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، فَالْقَتْلُ بِالْحَجَرِ غَيْرُ الْقَتْلِ بِالْعَصَا حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ عَمْدًا وَقَالَ الْآخَرُ: قَتَلَهُ خَطَأً، فَقَدْ اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ غَيْرُ الْعَمْدِ وَحُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ: لَا أَحْفَظُ الَّذِي كَانَ بِهِ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَالَ: لَا أَحْفَظُ ضَيَّعَ بَعْضَ شَهَادَتِهِ وَلِأَنَّهُ شَاهِدٌ بِفِعْلٍ غَيْرِ الْفِعْلِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ صَاحِبُهُ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالسِّلَاحِ وَلَا يَكُونُ هَذَا الْبَيَانُ مِنْهُ مُخَالِفًا لِأَوَّلِ كَلَامِهِ وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ كَانَ مُنَاقِضًا فِي كَلَامِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ شَاهِدٌ بِفِعْلٍ غَيْرِ الْفِعْلِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ صَاحِبُهُ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ قَالَا جَمِيعًا: لَا نَدْرِي بِمَ قَتَلَهُ، فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا أَنَّهُمَا ضَيَّعَا شَهَادَتَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute