للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حُرْمَةُ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ مُسْتَقِيمٌ، فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقَرَابَةِ اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ بِحَالٍ وَلَا اسْتِحْقَاقُ الْعِتْقِ عَلَيْهِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ.

(وَحُجَّتُنَا) فِيهِ قَوْله تَعَالَى {، وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: ٦١] الْآيَةَ، فَاَللَّهُ تَعَالَى رَفَعَ الْجُنَاحَ عَلَى الدَّاخِلِ فِي بَيْتِ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَالْأَكْلِ مِنْهُ فَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ وَالظَّاهِرُ وَإِنْ تُرِكَ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ يَبْقَى شُبْهَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَطَفَ بُيُوتَ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ عَلَى بُيُوتِ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ، وَحُكْمُ الْمَعْطُوفِ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: ٦١]؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَةَ لَا تَبْقَى مَعَ السَّرِقَةِ فَلِانْعِدَامِ السَّبَبِ عِنْدَ السَّرِقَةِ تَنْتَفِي الشُّبْهَةُ هُنَاكَ، فَأَمَّا الْأُخُوَّةُ تَبْقَى مَعَ السَّرِقَةِ كَالْأُبُوَّةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً مُحَرِّمَةً لِلنِّكَاحِ فَكَانَتْ كَالْوِلَادِ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْبَعْضَ يَدْخُلُ بَيْتَ الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا حِشْمَةٍ.

وَلِهَذَا ثَبَتَ حِلُّ النَّظَرِ إلَى مَوْضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ بِهَذِهِ الْقَرَابَةِ كَمَا فِي الْوِلَادِ فَيُنْتَقَصُ مَعْنَى الْحِرْزِيَّةِ فِي حَقِّهِمْ، وَهُوَ عَلَى أَصْلِنَا مُسْتَقِيمٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ بِهَذِهِ الْقَرَابَةِ وَالْعِتْقِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي الْمِلْكِ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْحَقِّ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ مِنْ وَجْهٍ، وَأَدْنَى الشُّبْهَةِ تَكْفِي لِدَرْءِ الْحَدِّ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ السَّارِقَيْنِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَوْ شَرِيكًا لَهُ يُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْهُ بِالشُّبْهَةِ وَيُدْرَأُ عَنْ الْآخَرِ لِلشُّبْهَةِ لِلشَّرِكَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَكُونُ بَعْضُهَا مُوجِبًا لِلْعُقُوبَةِ وَبَعْضُهَا غَيْرَ مُوجِبٍ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ

[سَارِقِ الْمُصْحَفِ]

(قَالَ) وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الْمُصْحَفِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: عَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، فَإِنَّ الْجِلْدَ وَالْبَيَاضَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ قَبْلَ أَنْ يُكْتَبَ فِيهِ الْقُرْآنُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَمَا كُتِبَ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ؟ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَكْتُوبُ فِيهِ شَيْئًا آخَرَ لَمْ تُنْتَقَصْ مَالِيَّتُهُ، فَإِذَا كُتِبَ فِيهِ الْقُرْآنُ أَوْلَى، وَفِي الْكِتَابِ عِلَلٌ وَقَالَ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْقُرْآنَ فَلَا قَطْعَ فِيهِ، وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْمَصَاحِفِ قُرْآنًا، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ تَأْوِيلًا فِي أَخْذِ الْمُصْحَفِ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ وَالنَّظَرِ لِإِزَالَةِ إشْكَالٍ وَقَعَ فِي كَلِمَةٍ فَالْقَطْعُ لَا يَجِبُ مَعَ تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِي الْمُصْحَفِ لَا عَيْنِ الْجِلْدِ وَالْبَيَاضِ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقَطْعِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً كَمَنْ سَرَقَ آنِيَةً مِنْ خَمْرٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ، وَإِنْ كَانَتْ الْآنِيَةُ تُسَاوِي نِصَابًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>