لَهُ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ مَالٌ وَلَا عَمَلٌ؛ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ رِبْحِ ذَلِكَ النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَابُ الْمَعْدُومِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ دَفَعَ إلَى آخَرَ خَمْسَمِائَةٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْلِطَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ يَعْمَلَ بِهَا عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ ثُلُثَ الرِّبْحِ، وَلِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثَانِ فَعَمِلَ بِهَا فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَكَذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ إقْرَارِ الْمُضَارِبِ بِالْمُضَارَبَةِ فِي الْمَرَضِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا مَاتَ الْمُضَارِبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ فِي يَدِهِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ دَرَاهِمُ، وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ بُدِئَ بِرَبِّ الْمَالِ قَبْلَ الْغُرَمَاءِ بِأَخْذِ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ، وَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، ثُمَّ دَيْنُ الْمُضَارِبِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَتَرِكَتُهُ مَا كَانَ مَمْلُوكًا عِنْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَأَمَّا مِقْدَارُ رَأْسِ الْمَالِ، وَحِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ مِلْكُهُ لَيْسَ مِنْ تَرِكَةِ الْمُضَارِبِ فِي شَيْءٍ، فَإِنْ قَالَ وَرَثَةُ الْمُضَارِبِ وَالْغُرَمَاءُ: الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمُضَارِبِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَكَذَّبَهُمْ رَبُّ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ اسْتِحْقَاقَ مِلْكِهِ بِالدَّيْنِ الَّذِي هُوَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِي الظَّاهِرِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَرَبُّ الْمَالِ مُنْكِرٌ لِدَعْوَاهُمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنَّمَا اُسْتُحْلِفَ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ.
وَإِنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ حِينَ مَاتَ الْمُضَارِبُ عُرُوضًا، أَوْ دَنَانِيرَ فَأَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُضَارِبِ كَانَ هُوَ مَمْنُوعًا عَنْ أَخْذِهَا وَبَيْعِهَا؛ لِحَقِّ الْمُضَارِبِ، وَحَقُّهُ بِمَوْتِهِ لَا يَبْطُلُ، وَاَلَّذِي يَلِي بَيْعَهَا وَصِيُّ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَيَبِيعُهَا لِتَحْصِيلِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا بِبَيْعِهَا فَيُوَفِّي رَبَّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَيُعْطِي حِصَّةَ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ غُرَمَاءَهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَالْقِيَامِ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ لَهُ بِنَصِيبِ الْوَصِيِّ، وَقَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّغِيرَةِ: يَبِيعُهَا وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَرَبُّ الْمَالِ، وَوَجْهُهُ: أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَا كَانَ رَاضِيًا بِتَصَرُّفِ الْوَصِيِّ فِي مَالِهِ، وَالْمَالُ وَإِنْ كَانَ عُرُوضًا أَوْ دَنَانِيرَ فَالْمِلْكُ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ ثَابِتٌ، فَلَا يَنْفَرِدُ الْوَصِيُّ بِبَيْعِهَا، وَلَكِنَّ رَبَّ الْمَالِ يَبِيعُهَا مَعَهُ وَمَا ذُكِرَ هُنَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَكَانَ لِلْمُوصِي أَنْ يَنْفَرِدَ بِبَيْعِهَا، فَكَذَلِكَ لِوَصِيِّهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَمْلِكْ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ انْضِمَامِ رَأْيِهِ إلَى رَأْيِ الْوَصِيِّ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute