وَالسَّخَطُ وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَبْعِيدِ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ لَا تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا» فَلِهَذَا لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ
(قَالَ): وَيَنْصِتُ الْقَوْمُ لِخُطْبَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَعِظُهُمْ فِيهَا وَفَائِدَةُ الْوَعْظِ إنَّمَا تَظْهَرُ بِالْإِنْصَاتِ وَلَيْسَ فِيهَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَلَا يُشْكِلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا صَلَاةٌ بِالْجَمَاعَةِ إنَّمَا فِيهَا الدُّعَاءُ فَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا فُرَادَى وَذَلِكَ فِي مَعْنَى الدُّعَاءِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهَا صَلَاةٌ بِالْجَمَاعَةِ لَكِنَّهَا تَطَوُّعٌ كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَلَيْسَ فِيهَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ
[بَابُ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ فِي الْكَعْبَةِ]
(قَالَ): وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَفَ فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَتُحَلَّقُ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ يَقْتَدُونَ بِهِ فَيُجْزِيهِمْ بِهِ جَرْيُ التَّوَارُثِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] وَالْقَوْمُ كُلُّهُمْ قَدْ اسْتَقْبَلُوا الْقِبْلَةَ وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْإِمَامُ فِي مَقَامِهِ فَيُجْزِيهِمْ إلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ وَكَانَ مُسْتَقْبِلًا الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَقْبَلَهَا الْإِمَامُ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى حَائِطِ الْكَعْبَةِ مِنْ الْإِمَامِ فَهَذَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْإِمَامِ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فَإِنْ وَقَفَتْ امْرَأَةٌ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ تَقْتَدِي بِهِ وَقَدْ نَوَى إمَامَتَهَا فَإِنْ اسْتَقْبَلَتْ الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَقْبَلَهَا الْإِمَامُ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ فَاسِدَةٌ لِوُجُودِ الْمُحَاذَاةِ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَإِنْ اسْتَقْبَلَتْ الْجِهَةَ الْأُخْرَى لَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنْ عَنْ يَمِينِهَا وَمِنْ عَنْ يَسَارِهَا وَمِنْ خَلْفِهَا بِحِذَائِهَا لِوُجُودِ الْمُحَاذَاةِ فِي حَقِّهِمْ فَإِنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَقْبَلَتْهَا هِيَ وَإِنْ كَانُوا يُصَلُّونَ فُرَادَى لَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ أَحَدٍ بِالْمُحَاذَاةِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ
(قَالَ): وَإِنْ كَانَتْ الْكَعْبَةُ تُبْنَى وَقَدْ أَظْرَفَ فِي الْعِبَارَةِ فِي هَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ كَرِهَ إطْلَاقَ لَفْظِ الِانْهِدَامِ عَلَى الْكَعْبَةِ وَبِهَذَا اللَّفْظِ يُفْهَمُ هَذَا الْمَقْصُودُ فَإِذَا تَحَلَّقَ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّوْا هَكَذَا جَازَتْ صَلَاتُهُمْ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ شَيْءٌ مَوْضُوعٌ لَا يُجْزِئُهُمْ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْقِبْلَةَ هِيَ الْبِنَاءُ وَالْبُقْعَةَ جَمِيعًا فَإِنَّ الِاسْتِقْبَالَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إلَى الْبِنَاءِ فَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْقِبْلَةُ هِيَ الْكَعْبَةُ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ بِنَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِنَاءَ لَوْ نُقِلَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَكُونُ قِبْلَةً وَقَدْ رُفِعَ الْبِنَاءُ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ حِينَ بُنِيَ الْبَيْتُ عَلَى قَوَاعِدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute