إنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَدُ الْوَلَدِ عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْجَدِّ، وَأَنَّهُ عَمُّهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَدِّ مِنْ قِيمَةِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ قَدْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ وَسَقَطَ حَدٌّ لِلشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَهُوَ الْبُنُوَّةُ فَيَجِبُ الْعُقْرُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي حَيَاةِ الْأَبِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْجَدِّ عِنْدَ ذَلِكَ وِلَايَةُ نَقْلِهَا إلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الدَّعْوَةِ، صَدَّقَهُ ابْنُ الْأَبِ أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بِهِ إنَّمَا حَصَلَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، وَالْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي الْوِلَايَةِ فَلَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى نَفْسِهِ بِدَعْوَةِ الِاسْتِيلَادِ
[شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى زِنًى قَدِيمٍ]
(قَالَ)، وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى زِنًى قَدِيمٍ لَمْ أُحِدَّ بِشَهَادَتِهِمْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا، وَلَمْ أُحِدَّهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ وَالْأَهْلِيَّةُ لِلشَّهَادَةِ مَوْجُودَةٌ وَذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُمْ قَذْفًا
وَإِنْ أَقَرَّ بِزِنًى قَدِيمٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أُقِيم عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يُقَامُ اعْتِبَارًا لِحُجَّةِ الْإِقْرَارِ بِحُجَّةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنَّ الشُّهُودَ كَمَا نَدَبُوا إلَى السَّتْرِ فَالْمُرْتَكِبُ لِلْفَاحِشَةِ أَيْضًا مَنْدُوبٌ إلَى السَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ، قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ»، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِآخِرِ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ «وَمَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَةً أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَدُّ اللَّهِ»، وَهَذَا قَدْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ كَانَ تَقَادَمَ الْعَهْدُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ التُّهْمَةَ تَنْتَفِي عَنْ إقْرَارِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادِي نَفْسَهُ عَلَى وَجْهٍ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى هَتْكِ سِتْرِهِ بَلْ إنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ النَّدَمُ وَإِيثَارُ عُقُوبَةِ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، فَبِتَقَادُمِ الْعَهْدِ هُنَاكَ تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَدَاوَةَ حَمَلَتْهُمْ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ مَا اخْتَارُوا السَّتْرَ عَلَيْهِ وَهُنَا كَانَ إصْرَارُهُ يَمْنَعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ ثُمَّ النَّدَمُ وَالتَّوْبَةُ حَمَلَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ
(قَالَ) وَالذِّمِّيُّ وَالْعَبْدُ فِي الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا كَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَحُرْمَةُ الزِّنَا ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ، كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَإِقْرَارُهُ مُلْزِمٌ أَيْضًا كَإِقْرَارِ الْمُسْلِمِ فَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِقْرَارُهُ بِالزِّنَا يَصِحُّ عِنْدَنَا مُوجِبًا لِلْحَدِّ عَلَيْهِ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ مَحْجُورًا، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى وَبِهَذَا الْإِقْرَارُ يَتَضَرَّرُ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَنْتَقِصُ مَالِيَّتُهُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَالِ إذَا كَانَ مَحْجُورًا، فَكَذَلِكَ بِالْحَدِّ، وَلَكِنَّا نَقُولُ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ فَالْعَبْدُ فِيهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْحُرِّ كَطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ نَفْسٌ مُخَاطَبَةٌ، وَفِيمَا يَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ هُوَ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ بِالْإِقْرَارِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute