حُكْمِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْكَفَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعُ بَأْسٍ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ. يُوَضِّحُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَلِيلَ يَتَأَدَّى فَرْضُ الْغُسْلِ فِيهِ بِدُونِ اسْتِعْمَالِ مَاءٍ جَدِيدٍ بِأَنْ تُحَوَّلَ الْبَلَّةُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ إلَيْهِ عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ ثُمَّ رَأَى لُمْعَةً عَلَى بَدَنِهِ فَغَسَلَهَا بِحُمَّةٍ» أَيْ أَخَذَ الْبُلَّةَ مِنْهَا فَغَسَلَ تِلْكَ اللُّمْعَةَ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ اسْتِعْمَالُ مَاءٍ جَدِيدٍ فِي غُسْلِهِ كَانَ هَذَا وَمَا لَوْ فَرَغُوا مِنْ غَسْلِهِ سَوَاءً، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْكَفَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ عُضْوٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ.
وَلَوْ خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَا غُسِّلَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ ذَلِكَ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ إمَاطَةِ الْأَذَى وَلَا يُعَادُ غَسْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُحْدِثُ وَلَا يُجْنِبُ.
وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا حُمِلَ فِي سَفَطٍ عَلَى دَابَّةٍ فَصَلَّوْا عَلَيْهَا وَهُوَ عَلَى الدَّابَّةِ لَمْ تُجْزِهِمْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَهُمْ إنَّمَا صَلَّوْا عَلَى الدَّابَّةِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ يَجُوزُ وَهُوَ نَظِيرُ الْقِيَاسِ، وَالِاسْتِحْسَانُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ، فَإِنَّ فِي الْقِيَاسِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ دُعَاءٌ وَدُعَاءُ الرَّاكِبِ وَالنَّازِلِ سَوَاءٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ التَّكْبِيرَاتُ وَالْقِيَامُ فَكَمَا لَا تَتَأَدَّى بِدُونِ التَّكْبِيرَاتِ لَا تَتَأَدَّى بِدُونِ الْقِيَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ عَلَى الدَّابَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ]
(بَابُ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ) (قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلٌ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ بِعَرَفَةَ الظُّهْرَ ثُمَّ أَهَلَّ بِحِجَّةٍ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ مَعَهُ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاتَيْنِ مَعَهُ جَمِيعًا وَهُوَ مُهِلٌّ بِالْحَجِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ يَجُوزُ أَنَّ التَّغَيُّرَ إنَّمَا حَصَلَ فِي الْعَصْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَجَّلٌ عَلَى وَقْتِهِ وَلَا تَغَيُّرَ فِي الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدًّى فِي وَقْتِهِ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ التَّغَيُّرُ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ شَرْطُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بِأَدَاءِ الْعَصْرِ دُونَ الظُّهْرِ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْعَصْرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ تَقْدِيمُ الظُّهْرِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ وَكَانَ الْيَوْمُ يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْعَصْرَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute