للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الطَّلَاقِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الطَّلَاقِ (قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إمْلَاءً الطَّلَاقِ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ الْقَيْدِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِطْلَاقِ يَقُولُ الرَّجُلُ أَطْلَقْت إبِلِي وَأَطْلَقْت أَسِيرِي وَطَلَّقْت امْرَأَتِي فَالْكُلُّ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى فَفِي الْمَرْأَةِ يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ، وَإِذَا تَمَّ رَفْعُ الْقَيْدِ بِتَكَرُّرِ الطَّلَاقِ لَا يَأْتِي تَقْيِيدُهُ ثَانِيًا فِي الْحَالِ فَفِي التَّفْعِيلِ مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ؛ فَلِهَذَا يُقَالُ فِي الْمَرْأَةِ طَلُقَتْ، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ حِصَانٌ وَحِصَانٌ لَكِنْ يُقَالُ فِي الْفَرَسِ حِصَانٌ أَيْ بَيِّنُ التَّحَصُّنِ، وَفِي الْمَرْأَةِ حَصَانٌ أَيْ بَيِّنَةُ الْحِصْنِ، وَكَذَا يُقَالُ عَدْلٌ وَعَدِيلٌ وَكِلَاهُمَا مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْمُعَادَلَةِ وَلَكِنْ يَخْتَصُّ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ بِالْآدَمِيِّ لِمَعْنًى اخْتَصَّ بِهِ وَمُوجِبُ الطَّلَاقِ فِي الشَّرِيعَةِ رَفْعُ الْحِلِّ الَّذِي بِهِ صَارَتْ الْمَرْأَةُ مَحِلًّا لِلنِّكَاحِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ ثَلَاثًا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَيُوجِبُ زَوَالُ الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ سُقُوطِ الْيَدِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَانْعِدَامِ الْعِدَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الدُّخُولِ وَالِاعْتِيَاضِ عِنْدَ الْخُلْعِ.

فَالِاسْمُ شَرْعِيٌّ فِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ وَإِنْ كَانَ مُبْغَضًا فِي الْأَصْلِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا يُبَاحُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ نُشُوزٍ فَعَلَيْهَا لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ فِي الرَّجُلِ يَخْلَعُ امْرَأَتَهُ وَلِأَنَّ فِيهِ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ فَإِنَّ النِّكَاحَ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم: ٢١] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ} [آل عمران: ١٤] الْآيَةَ وَكُفْرَانُ النِّعْمَةِ حَرَامٌ، وَهُوَ رَفْعُ النِّكَاحِ الْمَسْنُونِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَذَلِكَ إمَّا كِبَرُ السِّنِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ سَوْدَةَ لَمَّا طَعَنَتْ فِي السِّنِّ طَلَّقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِمَّا لِرِيبَةٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>