للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِهِ لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَلِّكًا عَلَيْهِ نَصِيبَهُ، فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَلَوْ كَانَ مَجْهُولًا فَادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَا مَلَكَاهُ كَانَ لَلشَّرِيكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الِابْنَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا اسْتَسْعَى الِابْنَ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي الدَّعْوَةِ كَالْحُرِّ، وَكَذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ عِنْدَ تَكْذِيبِ الشَّرِيكِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ.

وَلَوْ كَانَتْ أُمُّهُ مَعَهُ ضَمِنَ الْمُكَاتَبُ نِصْفَ قِيمَتِهَا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ بَيْعُهَا بِمَا ثَبَتَ لِلْمُكَاتَبِ مِنْ الْمِلْكِ فِيهَا وَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ فَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَلِّكًا عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَإِنْ كَانَ الَّذِي مَلَكَ مَعَ الْمُكَاتَبِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّبِيِّ وَنَسَبُ الصَّبِيِّ مِنْ الْمُكَاتَبِ مَعْرُوفٌ عَتَقَ نَصِيبُ ذَا الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بِالْقَرَابَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ، وَكَانَ نَصِيبُ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفًا، فَإِنْ عَتَقَ عَتَقَ مَعَهُ، وَإِنْ عَجَزَ سَعَى لِمَوْلَاهُ فِيهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُعْتَقُ الْكُلُّ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ، وَلَا ضَمَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ مَقْصُودِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهِ؛ وَلِوَلَدِهِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ لَهُ، وَلَا السِّعَايَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ دَعْوَةِ الْوَلَدِ مِنْ الزِّنَا وَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ]

بَابُ دَعْوَةِ الْوَلَدِ مِنْ الزِّنَا، وَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَجُلٌ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ، وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ ابْنُهُ مِنْ الزِّنَا، وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ) فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»، وَلَا فِرَاشَ لِلزَّانِي، وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَظَّ الزَّانِي الْحَجَرَ فَقَطْ وَقِيلَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى الرَّجْمِ وَقِيلَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْغَيْبَةِ كَمَا يُقَالُ لِلْغَيْبَةِ الْحَجَرُ أَيْ هُوَ غَائِبٌ لَا حَظَّ لَهُ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ لَا حَظَّ لِلْعَاهِرِ مِنْ النَّسَبِ وَبَقِيَ النَّسَبُ مِنْ الزَّانِي حَقُّ الشَّرْعِ إمَّا بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ؛ لِيَكُونَ لَهُ زَجْرًا عَنْ الزِّنَا إذَا عَلِمَ أَنَّ مَاءَهُ يَضِيعُ بِهِ أَوْ؛ لِأَنَّ الزَّانِيَةَ نَائِبُهَا غَيْرُ وَاحِدٍ فَرُبَّمَا يَحْصُلُ فِيهِ نَسَبُ الْوَلَدِ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ شَرْعًا، وَلَا يَرْتَفِعُ هَذَا الْمَعْنَى بِتَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ، أَوْ كَانَ نَفْيُ النَّسَبِ عَنْ الزَّانِي لِحَقِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّانِي وَفِيهِ إشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ.

وَهَذَا الْمَعْنَى قَائِمٌ بَعْدَ تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ النَّسَبُ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي إثْبَاتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُمَا فَإِنْ شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ ثَبَتَ بِذَلِكَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهَا الْوِلَادَةُ وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِشَهَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>