لَهُ، فَكَانَ هُوَ مُنْتَفِعًا بِرَأْيِهِ قَائِمًا مَقَامَهُ، وَلَوْ كَانَ مُنْتَفِعًا بِرَأْيِهِ - بِأَنْ كَانَ حَاضِرًا -: لَمْ يَجُزْ قَبْضُ الْأَخِ، فَهَذَا مِثْلُهُ، وَهَذَا - لِمَا بَيَّنَّا - أَنَّ مُجَرَّدَ قَرَابَةِ الْأَخِ لَا تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ بِدُونِ الْيَدِ.
وَإِذَا كَانَ فِي عِيَالِ مَنْ اخْتَارَهُ الْأَبُ، فَلَيْسَ لِلْأَخِ عَلَيْهِ يَدٌ مَوْجُودَةٌ وَلَا مُسْتَحَقَّةٌ، حَتَّى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِمَّنْ يَعُولُهُ، فَكَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلِمَنْ يَعُولُهُ يَدٌ مُسْتَحَقَّةٌ - مَا لَمْ يَحْضُرْ الْأَبُ - فَهُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الْهِبَةَ لَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْهِبَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ]
قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ نَصِيبًا مُسَمًّى مِنْ دَارٍ غَيْرِ مَقْسُومَةٍ، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ مُشَاعًا، أَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ جَمِيعَ الدَّارِ: لَمْ يَجُزْ) يَعْنِي: لَا يَقَعُ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ - عِنْدَنَا - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ الْمِلْكُ وَتَتِمُّ الْهِبَةُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ، نَظَرَ إلَى مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ، فَوَجَدَهُ بَيْنَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، وَبَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَوْمِهِ، فَوَهَبَ أَسْعَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصِيبَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ وَهَبَ الرَّجُلَانِ نَصِيبَهُمَا مِنْهُ - أَيْضًا - فَبَنَى الْمَسْجِدَ» «، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلرَّجُلِ الَّذِي أَتَاهُ بِكُبَّةِ مِنْ شَعْرٍ. فَقَالَ: أَخَذْت هَذِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَخِيطَ بِهَا بَرْدَعَةَ بَعِيرٍ لِي، أَمَّا نَصِيبِي مِنْهَا: فَهُوَ لَك». فَقَدْ وَهَبَ الْمُشَاعَ، (وَعَنْ) أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ جَوَّزَ الْهِبَةَ فِي الْمُشَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ لِلْمَالِ، فَيَصِحُّ فِي الْمُشَاعِ كَالْبَيْعِ، وَتَأْثِيرُهُ: أَنَّ الْجُزْءَ الْمُشَاعَ مَحِلٌّ لِمَا هُوَ مُوجِبُ هَذَا الْعَقْدِ - وَهُوَ الْمِلْكُ - وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ فِي الْمَحِلِّ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْعَقْدُ كَوْنُهُ مَحِلًّا لِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَبِهِ فَارَقَ الصُّوفَ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، فَإِنَّهُ مَمْلُوكٌ، وَصْفًا وَتَبَعًا لَا مَقْصُودًا، وَمُوجِبُ الْهِبَةِ: الْمِلْكُ مَقْصُودًا؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إضَافَةُ الْبَيْعِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ؛ وَلِأَنَّ الشُّيُوعَ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْهِبَةِ، وَمَا يُؤْثَرُ فِيهِ الشُّيُوعُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فِيهِ سَوَاءٌ كَالرَّهْنِ - عِنْدَكُمْ - وَالنِّكَاحِ - عِنْدِي -؛ وَلِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ.
وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ، وَهِيَ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَذَلِكَ التَّبَرُّعُ فِي الْحَيَاةِ، وَلَا يَمْنَعُ الْقَرْضَ أَيْضًا؛ فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُهَا قَرْضًا عَلَيْهِ وَيَعْمَلُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ بِشَرِكَتِهِ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَبِفَضْلِ الْقَرْض يَبْطُلُ اعْتِمَادُكُمْ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ. فَأَصْلُ الْقَبْضِ شَرْطٌ لِوُقُوعِ الْمِلْكِ فِي الْقَرْضِ، ثُمَّ لَا تُشْتَرَطُ الْقِسْمَةُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ مَعَ الشُّيُوعِ يَتِمُّ: أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الضَّمَانُ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute