للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ حَلَفَ لَا يُظِلُّهُ ظِلُّ بَيْتٍ فَدَخَلَ بَيْتًا حَنِثَ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّخُولِ فِي عُرْفِ النَّاسِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُظِلُّهُ ظِلُّ الْبَيْتِ إذَا دَخَلَ تَحْتَ سَقْفِهِ، وَإِنْ أَقَامَ فِي ظِلِّهِ خَارِجًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّخُولِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ.

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْوِيهِ بَيْتٌ فَآوَاهُ بَيْتٌ سَاعَةً مِنْ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْإِيوَاءَ وَالْبَيْتُوتَةَ تَتَقَارَبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ، إلَّا أَنَّ الْبَيْتُوتَةَ فِي اللَّيْلِ خَاصَّةً، يُقَالُ: بَاتَ فُلَانٌ يَفْعَلُ كَذَا إذَا فَعَلَ لَيْلًا، وَظَلَّ يَفْعَلُ كَذَا إذَا فَعَلَهُ نَهَارًا، فَأَمَّا الْإِيوَاءُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا، ثُمَّ الْبَيْتُوتَةُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ فَكَذَلِكَ الْإِيوَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: إذَا دَخَلَ سَاعَةً حَنِثَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْإِيوَاءَ بِالْحُصُولِ فِي مَكَان، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {سَآوِي إلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي} [هود: ٤٣] أَيْ أَلْتَجِئُ إلَيْهِ فَأَكُونُ فِيهِ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لَا آوَانِي وَإِيَّاكَ ظِلُّ بَيْتٍ مَا دُمْت عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، أَيْ: لَا أَجْتَمِعُ مَعَك، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا آوَاهُ الْحِرْزُ فَفِيهِ الْقَطْعُ» فَإِذَا أَوَاهُ الْحِرْزُ أَيْ: حَصَلَ فِيهِ، فَإِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ سَاعَة فَقَدْ وُجِدَ الْإِيوَاءُ فَيَحْنَثُ.

وَلَوْ أَدْخَلَ إحْدَى قَدَمَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ مَا حَصَلَ فِي الْبَيْتِ بِإِدْخَالِ إحْدَى الْقَدَمَيْنِ وَكَذَلِكَ إنْ أَدْخَلَ جَسَدَهُ وَهُوَ قَائِمٌ وَلَمْ يُدْخِلْ رِجْلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ اعْتِمَادَ الْقَائِمِ عَلَى رِجْلَيْهِ وَالْجَسَدُ تَبَعٌ لِلرِّجْلَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يُدْخِلْهُمَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا فِي الْبَيْتِ فَلَا يَحْنَثُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَفَالَةِ]

(قَالَ) وَإِذَا حَلَفَ لَا يَكْفُلُ بِكَفَالَةٍ فَكَفَلَ بِنَفْسِ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ بِدَرَكٍ فِي بَيْعٍ فَهُوَ حَانِثٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا عَلَى الْغَيْرِ مِنْ تَسْلِيمِ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَيُسَمَّى بِهِ فِي النَّاسِ كَفِيلًا، وَالْمُتَحَرِّزُ مِنْ الْكَفَالَةِ يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ ذَلِكَ فَيَحْنَثُ، وَالضَّمَانُ وَالْقَبَالَةُ قِيَاسُ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا.

وَإِذَا حَلَفَ لَا يَكْفُلُ عَنْ إنْسَانٍ بِشَيْءٍ فَكَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ صِلَةَ عَنْ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَأَمَّا الصِّلَةُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ الْبَاءُ يُقَالُ: كَفَلَ بِنَفْسِ فُلَانٍ وَكَفَلَ عَنْ فُلَانٍ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَكْفُلُ عَنْهُ بِشَيْءٍ فَاشْتَرَى لَهُ بِأَمْرِهِ شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>