الرُّجُوعِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَكِنَّ عَلَيْهِ الضَّمَانَ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ بَاطِلٌ، فَكَذَلِكَ إنْكَارُهُ
[أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالٍ]
(قَالَ)، وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالٍ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُسْتَهْلَكًا أَوْ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَضْمَنُ الْمَالَ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ تُقْطَعُ يَدُهُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَرُدُّ الْمَالَ وَلَا يَقْطَعُ يَدَهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي حَقِّ الْمَالِ يُلَاقِي حَقَّهُ، فَإِنَّهُ يُلَاقِي كَسْبَهُ أَوْ ذِمَّتَهُ، وَهُوَ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، فَأَمَّا فِي حَقِّ الْقَطْعِ يُلَاقِي نَفْسَهُ وَالْفَكُّ بِحُكْمِ الْإِذْنِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ كَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا؟ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ نَفْسِهِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ يَكُونُ بَاطِلًا.
وَجْهُ قَوْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ مُخَاطَبٌ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ وَالْعَبْدُ فِي هَذَا كَالْحُرِّ فَإِقْرَارُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْحُرِّ كَإِقْرَارِ الْحُرِّ، فَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى الْإِقْرَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَمَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ فَالْعَبْدُ فِيهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْحُرِّ كَالطَّلَاقِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِاسْتِيفَاءِ الْعُقُوبَةِ مِنْهُ فَوْقَ مَا يَلْحَقُ الْمَوْلَى وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ عِنْدَ انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُ
(قَالَ) فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ قُطِعَتْ يَدُهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ فِيمَا كَانَ الْعَبْدُ مُبْقِيًا عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ الْمَأْذُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ قَائِمٍ بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُقْطَعُ يَدُهُ وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُقْطَعُ يَدُهُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى، أَمَّا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إقْرَارُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِلْكُ مَوْلَاهُ وَمَا فِي يَدِهِ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَوْلَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ فِيهِ بِالْغَصْبِ لَا يَصِحّ؟ فَكَذَلِكَ بِالسَّرِقَةِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمَالِ بَقِيَ الْمَالُ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ فِي هَذَا الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِمَوْلَاهُ، وَلَا فِي مَالٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ فِيهِ وَالْمَالُ أَصْلٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لَوْ قَالَ: أَبْغِي الْمَالَ تُسْمَعُ خُصُومَتُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَبْغِي الْقَطْعَ وَلَا أَبْغِي الْمَالَ لَا تُسْمَعُ خُصُومَتُهُ؟ وَكَذَلِكَ قَدْ يَثْبُتُ الْمَالُ، وَلَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ الْقَطْعُ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ الْمَالُ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ لَمْ يَصِحَّ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَيْضًا وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ بِالْقَطْعِ وَالْمَالِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute