للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرِكَةَ الَّتِي بَيْنَهُمَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ هَذَا - بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فِي الدَّيْنِ -. وَذَكَرَ الشَّارِحُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِمَا جَنَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا - اسْتِحْسَانًا أَيْضًا - وَأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِهِمَا عَلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ تَقَبَّلَ الْعَمَلَ فِيهِ، فَأَقَرَّ بِهِ نَفَذَ إقْرَارُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ - أَيْضًا اسْتِحْسَانًا - وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ يَأْخُذُ بِالْقِيَاسِ، فَيَقُولُ: إقْرَارُهُ بِالْعَيْنِ كَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ، وَمَا يَتْلَفُ بِجِنَايَةٍ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ غَصْبِهِ وَاسْتِهْلَاكِهِ، وَالشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا قَدْ تَنْفَكُّ عَنْ ذَلِكَ، فَلَا يُطَالَبُ الشَّرِيكُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ضَمَانِ مَا جَنَتْ يَدُهُ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ، وَمَا فِي الْعَمَلِ كَالْمُتَفَاوِضِينَ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِهِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالْعَيْنِ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَنْفَكُّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ يُسَلِّمُ إلَى أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ مَحَلَّ الْعَمَلِ، وَمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ يَدُهُمَا عِنْدَ إقَامَةِ الْعَمَلِ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ يُحَذِّرُ النَّاسَ مِنْ الْمُعَامَلَةِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ فَلِهَذَا أَخَذْنَا بِالِاسْتِحْسَانِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ]

قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ عَلَى أَنْ يَحْتَطِبَا الْحَطَبَ يَبِيعَانِهِ، فَمَا بَاعَاهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ كَانَتْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةً)؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ، فَلَا تَصِحُّ فِيمَا لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِيهِ. وَلَوْ وَكَّلَ إنْسَانًا بِأَنْ يَحْتَطِبَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ، وَكَانَ الْحَطَبُ الَّذِي لَمْ يَحْتَطِبْ دُونَ الْمُوَكِّلِ، فَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا - فِي الْمَعْنَى - يُوَكِّلُ صَاحِبَهُ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ ذَلِكَ الْعَمَلِ لَهُ، وَلِأَنَّ الِاحْتِطَابَ اكْتِسَابٌ، وَالِاكْتِسَابُ فِي الْمَحَلِّ الْمُبَاحِ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُكْتَسِبِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ بَعْضَ كَسْبِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ رَأْسِ مَالٍ، وَلَا ضَمَانَ لَهُ فِيهِ. أَوْ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْمُفَاوَضِ مَعَ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا يَكْتَسِبُهُ صَاحِبُهُ، وَهَذَا مُفَاوَضَةٌ فِي الْمَجْهُولِ؛ فَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا احْتَطَبَ وَثَمَنُهُ إذَا بَاعَ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ، فَإِنْ احْتَطَبَ أَحَدُهُمَا، وَأَعَانَهُ الْآخَرُ؛ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الَّذِي احْتَطَبَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ؛ فَيَلْزَمُهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ الثَّمَنِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: قَدْ رَضِيَ هَذَا بِنِصْفِ الْمُسَمَّى، فَيُعْتَبَرُ رِضَاهُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>