للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَمَّالًا لِيَحْمِلَ لَهُ حِنْطَةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا بِقَفِيزٍ مِنْهَا، فَحَمَلَهَا كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سَمَّى؛ وَهَذَا لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْمَنْفَعَةِ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ وَالتَّسْمِيَةِ؛ إذْ الْمَنَافِعُ لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا بِغَيْرِ الْعَقْدِ، وَفِيمَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لَمْ تُوجَدْ التَّسْمِيَةُ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الْمُسَمَّى مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرَى: أَيُّ نَوْعٍ مِنْ الْحَطَبِ يُصِيبَانِ؟ وَهَلْ يُصِيبَانِ شَيْئًا أَمْ لَا؟.

وَالرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ، فَإِذَا سَقَطَ اعْتِبَارُ رِضَاهُ بَقِيَتْ مَنَافِعُهُ مُسْتَوْفَاةً بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا أَوْلَى، بِخِلَافِ حَمْلِ الْحِنْطَةِ، فَإِنَّ الْقَفِيزَ مِنْهَا مَعْلُومٌ؛ فَاعْتُبِرَ رِضَاهُ بِالْمَعْلُومِ؛ فَلِهَذَا لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى، وَعَلَى هَذِهِ الشَّرِكَةُ فِي سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ، نَحْوَ احْتِشَاشِ الْحَشِيشِ، وَاجْتِنَاءِ الثِّمَارِ مِنْ الْجِبَالِ، وَالْبَرَادِي مِنْ الْجَوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَغَيْرِهِمَا فَإِذَا عَمِلَا ذَلِكَ، وَخَلَطَاهُ ثُمَّ بَاعَا؛ قُسِمَ الثَّمَنُ عَلَى كَيْلٍ وَوَزْنٍ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، إنْ كَانَ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ مَالِكًا لِمَا أَصَابَهُ. وَالثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ إنَّمَا يُقْسَمُ عَلَى مَالِيَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَمَالِيَّةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ تُعْرَفُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ فَلِهَذَا قُسِمَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا؛ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْمَالِيَّةِ، فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، بِمَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ. وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الِاكْتِسَابِ - وَقَدْ كَانَ الْمُكْتَسَبُ فِي أَيْدِيهِمَا - وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي دَعْوَاهُ إلَى النِّصْفِ إنَّمَا يَدَّعِي مَا كَانَ فِي يَدِهِ، وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ مَا يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي شَيْئًا كَانَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَرْءُ مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ بِدَعْوَاهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ بِنَقْلِ الطِّينِ وَبَيْعِهِ مِنْ أَرْضٍ لَا يَمْلِكَانِهَا، أَوْ الْجِصِّ أَوْ الْمِلْحِ أَوْ الْكُحْلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَجُوزُ؛ فَإِنَّهَا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، وَالنَّاسُ فِيهَا سَوَاءٌ، فَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ. وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ مَا يُلْبِنَانِ مِنْ طِينٍ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ أَوْ يُطَبِّخَانِهِ آجِرًا، أَوْ يُشْرِكَانِ عَلَى طَلَبِ الْكُنُوزِ، أَوْ عَلَى الِاصْطِيَادِ؛ فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِهِ؛ لِكَوْنِ أَصْلِهِ مُبَاحًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ، فَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ فِيهِ. قَالَ: (وَإِنْ كَانَ مِنْ طِينِ النُّورَةِ مَمْلُوكًا، فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا مِنْهُ، وَيَطْحَنَاهُ؛ فَهُوَ جَائِزٌ)؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا رَأْسُ مَالٍ؛ فَهُوَ شَرِكَةُ الْعَنَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَهُوَ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي هَذَا النَّوْعِ. وَقَدْ بَيَّنَّا جَوَازَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ سَهْلَةُ الزُّجَاجِ: إذَا اشْتَرَكَا عَلَى شَيْءٍ يَشْتَرِيَانِهِ مِنْ ذَلِكَ؛ جَازَ. وَإِنْ اشْتَرَكَا عَلَى شَيْءٍ لَا يَشْتَرِيَانِهِ بَلْ هُوَ مُبَاحُ الْأَصْلِ؛ فَهُوَ فَاسِدٌ لِمَا قُلْنَا.

وَإِذَا اشْتَرَكَا فِي الِاصْطِيَادِ - فَنَصَبَا شَبَكَةً أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>