للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَالُ فَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَلَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَالْقَاضِي إنَّمَا يَقْضِي بِمَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ هَاهُنَا لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ فَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ، وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ بِالْعَمْدِ حُبِسَ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالدَّمِ، وَالسَّبِيلُ فِي الْمُتَّهَمِ أَنْ يُحْبَسَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا فِي التُّهْمَةِ» وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى رَجُلًا يَعْدُو عَلَيْهِ وَيَقُولُ أَجِرْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ مِنْ مَاذَا فَقَالَ مِنْ الدَّمِ فَقَالَ احْبِسُوهُ الْحَدِيثَ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ فِي الْعُقُوبَاتِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى التَّوَثُّقِ، وَالِاحْتِيَاطِ، وَأَنَّهُ يُصَارُ فِيهِ إلَى الْحَبْسِ، فَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ حَبَسَهُ أَيْضًا أَيَّامًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالدَّمِ فَإِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتِمُّ بِالْحُجَّةِ فَتَثْبُتُ بِهِ التُّهْمَةُ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا؛ وَلِأَنَّ لِلشَّهَادَةِ شَرْطَيْنِ: الْعَدَدُ، وَالْعَدَالَةُ، وَقَدْ وُجِدَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ هَاهُنَا، وَهُوَ الْعَدَالَةُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَمَّ عَدَدُ الشُّهُودِ وَلَمْ تَظْهَرْ عَدَالَتُهُمْ فَكَمَا يُحْبَسُ هُنَاكَ فَكَذَلِكَ يُحْبَسُ هَاهُنَا، فَإِنْ جَاءَ شَاهِدٌ آخَرُ وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ، وَالْعَمْدُ فِي ذَلِكَ، وَالْخَطَأُ وَشِبْهُ الْعَمْدِ سَوَاءٌ. وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يُحْبَسَ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِمَا الْمَالُ وَفِي الدُّيُونِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الْمُؤَجَّلَةِ لَا يُحْبَسُ مَا لَمْ تَتِمَّ الْحُجَّةُ لِظُهُورِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ فَفِيمَا يَكُونُ مُؤَجَّلًا إلَى الْعَاقِلَةِ أَوْلَى، وَلَكِنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُتَّهَمَ بِالدَّمِ يُحْبَسُ فَإِنَّ الْقَتْلَ أَمْرٌ عَظِيمٌ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ مُوجِبُهُ؛ لِظُهُورِ عُذْرِ الْقَاتِلِ، أَوْ انْتِفَاءِ عُذْرِهِ، فَإِذَا ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ بَيِّنَةً حَاضِرَةً فِي الْمِصْرِ، وَالْقَتْلُ خَطَأٌ أُخِذَ بِهِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِخِلَافِ مَا إذَا زَعَمَ أَنَّ بَيِّنَتَهُ غَيْبٌ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى دَعْوَى الدَّيْنِ، فَالْخَطَأُ مُوجِبُ الدِّيَةِ دَيْنًا. وَأَخْذُ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ فِي دَعْوَى الدُّيُونِ صَحِيحٌ إذَا ادَّعَى بَيِّنَةً حَاضِرَةً فِي الْمِصْرِ فَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَلَا يُصَارُ إلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا بَعْدَهَا، وَلَكِنْ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يُلَازِمُهُ الْمُدَّعِي وَبَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَحْبِسُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْزِيرِ، فَإِنْ ظَهَرَتْ عَدَالَةُ الشُّهُودِ كَانَ الْقَتْلُ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ وَقَضَى عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْقَسَامَةِ]

(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا وُجِدَ الرَّجُلُ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُقْسِمَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا، ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ. بَلَغَنَا هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي هَذَا أَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَهْلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>