اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا فَحُدُّوهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَعَلِّمُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَحُدُّوهُ فَقَدْ جَعَلَ ظَنَّ الْحِلِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شُبْهَةً لِعَدَمِ اشْتِهَارِ الْأَحْكَامِ فَلَأَنْ يَكُونَ الظَّنُّ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ مُورِثًا شُبْهَةً أَوْلَى فَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ عُقُوبَةٍ أَوْ غَرَامَةٍ وَإِذَا سَقَطَتْ الْعُقُوبَةُ وَجَبَ الْمَهْرُ
[شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَزَنَى بِهَا]
(قَالَ) وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَزَنَى بِهَا حُدَّ الرَّجُلُ دُونَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ لِلزَّجْرِ وَهِيَ مُنْزَجِرَةٌ حِينَ أَبَتْ التَّمْكِينَ حَتَّى اسْتَكْرَهَهَا، وَلِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مِنْ جِهَتِهَا يُعْتَبَرُ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ عَنْهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ أَنَّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَ إذَا أُكْرِهَتْ بِوَعِيدٍ مُتْلِفٍ، وَالْحَدُّ أَقْرَبُ إلَى السُّقُوطِ مِنْ الْإِثْمِ فَإِذَا سَقَطَ الْإِثْمُ عَنْهَا فَالْحَدُّ أَوْلَى، وَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا التَّامَّ قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ إذَا اسْتَكْرَهَهَا أَغْلَظُ مِنْ جِنَايَتِهِ إذَا طَاوَعَتْهُ.
وَلَا يُقَالُ قَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ النِّكَاحَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ بِدَعْوِي النِّكَاحِ تَتَمَكَّنُ فِي الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، فَأَمَّا كَوْنُهَا مُكْرَهَةً لَا يَتَمَكَّنُ بِهِ شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَلَا يَخْرُجُ فِعْلُ الرَّجُلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ زِنًى مَحْضًا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَحَلُّ الْفِعْلِ وَلَا تَنْعَدِمُ الْمَحَلِّيَّةُ بِكَوْنِهَا مُكْرَهَةً، وَهُوَ كَمَا لَوْ زَنَى بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ أَوْ نَائِمَةٍ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا
(قَالَ) وَلَوْ أَنَّ مَجْنُونًا أَكْرَهَ عَاقِلَةً حَتَّى زَنَى بِهَا لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ غَيْرُ مُمَكِّنَةٍ طَوْعًا، وَأَمَّا الرَّجُلُ فَلِأَنَّهُ مَجْنُونٌ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْعُقُوبَةِ، فَإِذَا دَعَتْ الْعَاقِلَةُ الْبَالِغَةُ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا إلَى نَفْسِهَا فَزَنَى بِهَا لَا حَدَّ عَلَيْهَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهَا الْحَدُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ فَعَلَيْهَا الْحَدُّ بِالنَّصِّ، وَبَيَانُهُ وَهُوَ أَنَّ الزِّنَا لَيْسَ إلَّا وَطْءٌ مُتَعَرٍّ عَنْ الْعَقْدِ وَالْمِلْكِ وَشَبَهِهِمَا وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ أَحَدِهِمَا لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ لِمَعْنًى فَلَا يَمْتَنِعُ إقَامَتُهُ عَلَى الْآخَرِ كَمَا لَوْ زَنَى بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلٌ فِي نَفْسِهِ وَهِيَ فِي التَّمْكِينِ زَانِيَةٌ كَالرَّجُلِ فِي الْإِيلَاجِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا زَانِيَةً وَبَدَأَ بِذِكْرِهَا وَأَنَّ مَنْ نَسَبَهَا إلَى الزِّنَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، وَلَوْ كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا مُبَاشَرَةُ الزِّنَا لَمْ يَحُدَّ قَاذِفُهَا بِهِ كَالْمَجْبُوبِ وَلِأَنَّهَا بِهَذَا التَّمْكِينِ تَقْضِي شَهْوَتَهَا كَالرَّجُلِ بِالْإِيلَاجِ فَإِذَا ثَبَتَ كَمَالُ الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ يُرَاعَى حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعُقُوبَةِ.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ أَنَّهَا مَكَّنَتْ نَفْسَهَا مِنْ فَاعِلٍ لَمْ يَأْثَمْ وَلَمْ يُحْرَجْ فَلَا يَلْزَمْهَا الْحَدُّ كَمَا لَوْ مَكَّنَتْ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا وَبَيَانُ الْوَصْفِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ وَالْحَرَجَ يَنْبَنِي عَلَى الْخِطَابِ وَهُمَا لَا يُخَاطَبَانِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمُبَاشِرَ لِلْفِعْلِ هُوَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ تَابِعَةٌ بِدَلِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute