للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتِقٌ بِلِسَانِهِ مُسْتَرِقٌّ بِيَدِهِ وَهُوَ مَحَلٌّ لِلِاسْتِرْقَاقِ فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ يَنْفُذُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ ذِمِّيٌّ تَبَعٌ لِمَوْلَاهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ كَإِعْتَاقِ الذِّمِّيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ إعْتَاقَ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ عَنْ ظِهَارِهِ، وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُجْزِي بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَاكِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ: أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ عَنْ الظِّهَارِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ وَمَا عَلَيْهِ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ فَلَا يُمْنَعُ جَوَازُ التَّكْفِيرِ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ مَدْيُونًا أَوْ مَرْهُونًا.

(قَالَ): وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَدْيُونَ جَازَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ الْمَرْهُونَ جَازَ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا وَسَعَى الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ السِّعَايَةِ لَيْسَتْ فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ إذَا أَيْسَر فَلَا يَكُونُ هَذَا عِتْقًا بِجُعْلٍ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ مَرَضِ الْمَوْتِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ ظِهَارِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ، وَتِلْكَ السِّعَايَةُ بَدَلُ رَقَبَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَعْنَى عِتْقٍ بِجُعْلٍ.

(قَالَ): وَلَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَمْلِكُ أَنْ يُدْخِلَ الشَّيْءَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَبِدُونِ مِلْكِهِ لَا تَتَأَدَّى كَفَّارَتُهُ وَلَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ أَجْزَأَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ وَقَرَّرَنَا طَرِيقَ الْحَقِّ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْمِسْكِينَ نَائِبًا فِي الْقَبْضِ لَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ لِنَفْسِهِ وَإِنْ صَامَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ. لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ) وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ. - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ -

[بَابُ الْإِيلَاءِ.]

(قَالَ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْإِيلَاءُ - فِي اللُّغَةِ - هُوَ الْيَمِينُ قَالَ الْقَائِلُ: قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ وَإِنْ بَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ، - وَفِي الشَّرِيعَةِ - عِبَارَةٌ عَنْ يَمِينٍ يَمْنَعُ جِمَاعَ الْمَنْكُوحَةِ، هَكَذَا نُقِلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ كَانَ الْإِيلَاءُ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَهُ الشَّرْعُ طَلَاقًا مُؤَجَّلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبَّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.} [البقرة: ٢٢٦] وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ أَبَدًا فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ فِيمَا يَتَأَبَّدُ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ وَبَعْدَمَا صَارَ مُولِيًا إنْ جَامَعَهَا قَبْلَ تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>