للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسُدُسِ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ، فَاسْتِحْقَاقُ رَبِّ الْمَالِ بَعْضَ مَا شَرَطَهُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنْ يُثْبِتُ لِلْآخَرِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَوَّلِ بِمِثْلِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا، فَاسْتُحِقَّتْ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْأَوَّلُ لِلْآخَرِ طَعَامٌ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ الْأَرْضِ، وَاسْتِحْقَاقُ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ بَعْضَ مَا أَوْجَبَهُ لَهُ يُبْطِلُ الْعَقْدَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّهُ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْآخَرِ، وَبَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ، فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلْمُزَارِعِ الْآخَرِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْمُضَارَبَةِ الْأَجْرُ مِنْ جِنْسِ الرِّبْحِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِلْمُضَارِبِ الْآخَرِ عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُ مِمَّا شُرِطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ مِقْدَارُ مَا تَمَكَّنَ الْأَوَّلُ مِنْ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ الْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ أَثْلَاثًا عَلَى شَرْطِهِمَا، وَيُضَمِّنُ رَبُّ الْأَرْضِ بَذْرَهُ أَيَّهمَا شَاءَ وَفِي نُقْصَانِ الْأَرْضِ اخْتِلَافٌ، كَمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ قَالَ لِلْأَوَّلِ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ ثُلُثَا الزَّرْعِ لِلْآخَرِ، وَالثُّلُثُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ مَا شَرَطَ هُنَا لِنَفْسِهِ نِصْفَ الْخَارِجِ، بَلْ نِصْفَ مَا يَرْزُقُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - الْمُزَارِعَ الْأَوَّلَ، وَذَلِكَ مَا وَرَاءَ نَصِيبِ الْمُزَارِعِ الْآخَرِ، فَكَانَ لِلْمُزَارِعِ الْآخَرِ جَمِيعُ مَا شُرِطَ لَهُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَانِ عَلَى شَرْطِهِمَا

[بَابُ تَوْلِيَةِ الْمُزَارِعِ وَمُشَارَكَتِهِ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَرْضًا يَزْرَعُهَا سَنَتَهُ بِبَذْرِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَقَالَ لَهُ: اعْمَلْ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِك أَوْ لَمْ يَقُلْ فَدَفَعَهَا الْمُزَارِعُ، وَبَذْرًا مَعَهَا إلَى رَجُلٍ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُنَا مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ، وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا بِالدَّفْعِ مُزَارَعَةً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا مَعَ الْبَذْرِ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِبَعْضِ الْخَارِجِ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَهُنَاكَ الْمُزَارِعُ أَجَّرَ رَبَّ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ لِلْأَجِيرِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَأَمَّ الْأَجِيرُ عَامِلُ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ لِلْآخَرِ فِي الْخَارِجِ مِنْ بَذْرِ رَبِّ الْأَرْضِ؛ فَلِهَذَا افْتَرَقَا

<<  <  ج: ص:  >  >>