مَا فِيهَا لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مَجْهُولٌ وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْحَدِّ بِمِثْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ الْمَجْهُولَةِ لَا تَثْبُتُ، وَلَمْ يَشْهَدُوا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِالْمِلْكِ فِي شَيْءٍ أَيْضًا فَالْمَخْرَجُ مِنْ بَيْتِهِ قَدْ يَكُونُ مَالُهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَالَ الْمُخْرِجِ، وَإِنْ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْهُ هَذَا الْمَتَاعَ، فَإِذَا هُوَ ثِيَابٌ مُخْتَلِفَةٌ تُسَاوِي مَالًا عَظِيمًا قُطِعَ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِفِعْلِ السَّرِقَةِ فِي مَعْلُومٍ، فَإِنَّ الْإِعْلَامَ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْعَيْنِ أَبْلَغُ مِنْ الْإِعْلَامِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَتَمَكَّنُ عِنْدَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ مِنْ أَنْ يَقْتَصَّ مَا سَرَقَهُ لِيَتَأَمَّلَ كُلَّ ثَوْبٍ مِنْهُ، وَلَا يُكَلَّف أَدَاءَ الشَّهَادَةِ بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ
[لِلسَّارِقِ دَيْنٌ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ]
(قَالَ) وَإِنْ كَانَ لِلسَّارِقِ دَيْنٌ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ الْقَطْعُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ لَهُ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ مَالِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالَ الْمَدْيُونِ لَا يَكُونُ نِصَابَ الزَّكَاةِ بِطَرِيقِ أَنَّهُ كَالْمُسْتَحَقِّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِ وَسَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ يُورِثُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ مَحَلُّ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَالِ خُصُوصًا فِي حَالِّ صِحَّةِ الْمَدْيُونِ حَتَّى يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ كَيْف شَاءَ بِبَدَلٍ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ، وَإِنَّمَا تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالْمَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ يَكُونُ بِهِ، فَأَمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلَا حَقَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ فِي مَالِ الْمَدْيُونِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ مَا أَخَذَهُ كَانَ فِعْلُهُ اسْتِيفَاءً، وَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ جِنْسَ حَقِّهِ إذَا ظَفِرَ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ لِذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ فَفِعْلُهُ لَيْسَ بِاسْتِيفَاءٍ، وَلَكِنَّهُ سَرِقَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْحَدِّ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا أَرَدْت أَنْ آخُذَهُ رَهْنًا بِحَقِّي أَوْ قَضَاءً لِحَقَّيَّ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ، وَإِنْ ظَفِرَ بِخِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ يَأْخُذُهُ رَهْنًا بِحَقِّهِ وَالِاخْتِلَافُ الْمُعْتَبَرُ يُمْكِنُ شُبْهَةً، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَانَ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ شُبْهَةٍ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ التَّأْوِيلِ عِنْدَنَا
(قَالَ) وَإِنْ سَرَقَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْطَعْ، وَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ يُقْطَعُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ
(قَالَ) وَإِذَا أَشْكَلَ عَلَى الْإِمَامِ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيمَتُهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَدْنَيْ، لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ شَرْطٌ يُرَاعَى وُجُودُهُ حَقِيقَةً، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ فِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا حَدِيثَ عُمَرَ حِينَ قَضَى بِالْقَطْعِ عَلَى السَّارِقِ فَقَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرَقَتُهُ لَا تُسَاوَيْ إلَّا ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ فَدَرَأَ الْقَطْعَ عَنْهُ
(قَالَ) وَإِنْ كَانَ أَرَاهَا وَاحِدًا مِنْهُمْ فَقَالَ هِيَ تُسَاوِي عَشَرَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute