أَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ كَانَ فِي مُقَدِّمِ الْبَيْتِ وَانْتِهَاءَهُ كَانَ فِي مُؤَخَّرِهِ لِاضْطِرَابِهِمَا أَوْ كَانَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ فَظَنَّ اثْنَانِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ مُقَدَّمِ الْبَيْتِ وَاثْنَانِ أَنَّهُ مِنْ مُؤَخَّرِ الْبَيْتِ فَشَهِدُوا عَلَى مَا وَقَعَ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ الْبَيْتَيْنِ وَالْقَبِيلَتَيْنِ فَالتَّوْفِيقُ هُنَاكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ، ثُمَّ هَذَا الِاسْتِحْسَانُ مِنَّا لِتَصْحِيحِ الشَّهَادَةِ لَا لِإِقَامَةِ الْحَدِّ فَإِنَّمَا يُسْتَحْسَنُ لِدَرْءِ الْحَدِّ وَلَمْ يُذْكَرْ إذَا تَقَارَبَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الزَّمَانِ، وَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْمَكَانِ إذَا تَقَارَبَ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي الثَّوْبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حِينَ زَنَى بِهَا لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ امْتَنَعُوا مِنْ بَيَانِ ثَوْبِهِ حِينَ زَنَى لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ فَعَرَفْنَا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَمْ يُكَلَّفُوا نَقْلَهُ وَالتَّوْفِيقُ مُمْكِنٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ وَقَعَ بَصَرُ اثْنَانِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَبَصَرُ الْآخَرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ
(قَالَ) وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَأَحَدُهُمْ وَالِدُهُ أَوْ وَلَدُهُ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي شَهَادَةِ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ ثُمَّ يَرِثُ الْوَلَدُ مِنْ وَالِدِهِ وَإِنْ رُجِمَ بِشَهَادَتِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِالْبِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ مَانِعٌ لِلْوَلَدِ مِنْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِوَالِدِهِ بِالْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلِ أَبِيهِ الْمُشْرِكِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَقَالَ: يَكْفِيكَ ذَلِكَ غَيْرُك»، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ أَخًا أَوْ جَدًّا أَوْ وَاحِدًا مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ حُرْمَتَانِ الْإِسْلَامُ وَالْقَرَابَةُ، وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُ بِالْقَتْلِ كَمَا فِي الْعَادِلِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ أَخَاهُ الْبَاغِيَ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ أَخَاهُ الْكَافِرَ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ هُنَاكَ حُرْمَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْقَرَابَةُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ حُرْمَةِ الْإِسْلَامِ فِيمَا بَيْنَ الْأَجَانِبِ.
(قَالَ) فَأَمَّا فِي حَقِّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ الْكُفَّارِ الْمَوْجُودُ حُرْمَتَانِ الْوِلَادُ يَعْنِي بِهِ الْجُزْئِيَّةَ وَالْقَرَابَةَ فَلَوْ أَنَّهُ أَصَابَ مَقْتَلَهُ لَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِحَقٍّ، وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ جَزَاءٌ عَلَى الْقَتْلِ الْمَحْظُورِ عُقُوبَةً فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي الْقَتْلِ بِحَقٍّ
[امْتَنَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ مِنْ الْبِدَايَةِ بِالرَّجْمِ]
(قَالَ) وَلَوْ امْتَنَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ مِنْ الْبِدَايَةِ بِالرَّجْمِ فَذَلِكَ شُبْهَةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْإِنْسَانُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ بِحَقٍّ
(قَالَ) وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَعَدَلُوا فَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالرَّجْمِ حَتَّى قَتَلَهُ إنْسَانٌ بِالسَّيْفِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا الْقَضَاءُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ رَجَعُوا بَعْدَ عَدَالَتِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute