لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِشَيْءٍ وَلَمْ يَضْمَنُوا لِلْمَشْهُودِ لَهُ شَيْئًا وَلَوْ وَجَبَ حَقُّ الْمَشْهُودِ لَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ لَصَارُوا مُتْلِفِينَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنُوا لَهُ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ الْقَضَاءِ فَبَقِيَتْ النَّفْسُ مَعْصُومَةً عَلَى مَا كَانَتْ قَبْلَ الشَّهَادَةِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِالْقَتْلِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ بِرُجُوعِهِمْ، فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِرَجْمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ إنْسَانٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُبَاحَ الدَّمِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَالْفِعْلُ فِي مَحَلٍّ مُبَاحٍ لَا يَكُونُ سَبَبَ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْجَانِي فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
وَإِنْ وَجَدَ أَحَدُ الشُّهُودِ عَبْدًا بَعْدَ مَا قَتَلَهُ الرَّجُلُ عَمْدًا فَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَحْقُونَ الدَّمِ حِينَ ظَهَرَ أَنَّ عَدَدَ الشُّهُودِ لَمْ يَتَكَامَلْ، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ، وَلِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى قَتْلِهِ إيَّاهُ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي كَانَ بَاطِلًا وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَأَبْطَلَ عَنْهُ الْقِصَاصَ وَجَعَلَ عَلَيْهِ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى بِإِبَاحَةِ دَمِهِ، وَصُورَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي تَكْفِي لِإِيرَاثِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَقًّا كَانَ مُبِيحًا لِلدَّمِ، فَصُورَتُهُ تَمَكُّنُ شُبْهَةٍ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ يُجْعَلُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمَوْلَى إذَا جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا.
وَإِذَا امْتَنَعَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ لِلشُّبْهَةِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَلَكِنْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ قَتَلَهُ رَجْمًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَ الْقَاضِي فَيَكُونُ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْقَاضِي فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَلَكِنَّ هَذَا خَطَأٌ مِنْ الْإِمَامِ فِيمَا عَمِلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَا امْتَثَلَ أَمْرَ الْقَاضِي فِي قَتْلِهِ إيَّاهُ بِالسَّيْفِ وَلِهَذَا يُؤَدِّبُهُ الْقَاضِي هُنَاكَ عَلَى مَا صَنَعَ وَلَا يُؤَدِّبُهُ هُنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَجْهَزُوا عَلَيْهِ حَتَّى ظَهَرَ أَنَّ أَحَدَ الشُّهُودِ عَبْدٌ فَأَرْشُ الْجِرَاحَةِ أَيْضًا فِي بَيْتِ الْمَالِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ أَنَّ الْخَطَأَ مِنْ الْإِمَامِ فِي الْوَجْهَيْنِ
(قَالَ) أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُوَ غَيْرُ مُحْصَنٍ وَضَرَبَهُ الْإِمَامُ الْحَدَّ ثُمَّ وَجَدَ أَحَدَهُمْ عَبْدًا وَقَدْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ أَوْ لَمْ يَمُتْ فَلَا شَيْءَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا عَلَى الْإِمَامِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا هُوَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَعَلَى هَذَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ وَقَدْ جَرَحَتْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute