للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الْمَنَاسِكِ]

(قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

اعْلَمْ أَنَّ الْحَجَّ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ

وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً ... يَحُجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا

أَيْ يَقْصِدُونَ لَهُ مُعَظِّمِينَ إيَّاهُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ زِيَارَةِ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لِأَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ عَظِيمٍ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِقَصْدٍ، وَعَزِيمَةٍ، وَقَطْعِ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ. فَالِاسْمُ شَرْعِيٌّ فِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ.

وَالْمَنَاسِكُ جَمْعُ النُّسُكِ، وَالنُّسُكُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعَابِدُ نَاسِكًا، وَلَكِنَّهُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: ٢٠٠] وَفَرْضِيَّةُ الْحَجِّ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]

وَآكَدُ مَا يَكُونُ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِلْزَامِ كَلِمَةُ عَلَى.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً يُبَلِّغَانِهِ بَيْتَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا، وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا».

وَفِي رِوَايَةٍ «فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ مِلَّةٍ شَاءَ سِوَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٧]»

وَسَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ مَا أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ {حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] فَالْوَاجِبَاتُ تُضَافُ إلَى أَسْبَابِهَا، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّ سَبَبَهُ، وَهُوَ الْبَيْتُ غَيْرُ مُتَكَرِّرٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ «الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ أَمْ مَرَّةً فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ مَرَّةً فَمَا زَادَ فَتَطَوُّعٌ» وَالْوَقْتُ فِيهِ شَرْطُ الْأَدَاءِ، وَلَيْسَ بِسَبَبٍ، وَلِهَذَا لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ الْوَقْتِ إلَّا أَنَّ أَرْكَانَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى الْأَمْكِنَةِ، وَالْأَزْمِنَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>