للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ إسْلَامِهِمْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يُقَرِّرُ مِلْكَهُمْ فِي أَرَاضِيِهِمْ وَحُرِّيَّتَهُمْ فِي رِقَابِهِمْ بِالْمَنِّ كَمَا يَتَقَرَّرُ ذَلِكَ بِالْإِسْلَامِ لَوْ أَسْلَمُوا. وَالْمُعَامَلَةُ كَالْمُزَارَعَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا.

وَإِنْ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْحَرْبِيَّيْنِ بِالنِّصْفِ أَوْ بِأَقْفِزَةٍ مُسَمَّاةٍ مِنْ الْخَارِجِ، فَأَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ الزَّرْعُ وَقَدْ اُسْتُحْصِدَ أَوْ بَعْدَ مَا حُصِدَ - جَازَ عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّهُمَا بَاشَرَا الْعَقْدَ حِينَ لَمْ يَكُونَا مُلْتَزِمَيْنِ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا قَبْلَ إسْلَامِهِمَا، فَيَتَأَكَّدُ مِلْكُهُمَا بِالْإِسْلَامِ. وَلَوْ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ ثُمَّ زَرَعَ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةً عَلَى شَرْطِ الْأَقْفِزَةِ الْمُسَمَّاةِ، وَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتِمُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ، فَالْإِسْلَامُ الطَّارِئُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ كَالْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ. وَلَوْ كَانَ زَرَعَ ثُمَّ أَسْلَمُوا وَهُوَ بَقْلٌ لَمْ يُسْبِلْ، ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى اُسْتُحْصِدَ - كَانَ فَاسِدًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحَبُّ وَالْإِسْلَامُ حَصَلَ قَبْلَ حُصُولِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَبِّ الَّذِي هُوَ مَقْصُودٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمُوا بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ حَالٍ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ فِيهَا، فَإِسْلَامُهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُفْسِدُ الْمُزَارَعَةَ بِشَرْطِ عِشْرِينَ قَفِيزًا، وَكُلُّ حَالَةٍ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ فِيهَا فَإِسْلَامُهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الْبَقَاءِ بِحَالَةِ الِابْتِدَاءِ، وَمَا دَامَ الزَّرْعُ بَقْلًا فَابْتِدَاءُ الْمُزَارَعَةِ فِيهِ يَصِحُّ، فَإِذَا أَسْلَمُوا وَكَانَ الْعَقْدُ بِشَرْطِ عِشْرِينَ قَفِيزًا فَسَدَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ مُزَارَعَةِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ]

[قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -]: وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الْحُرُّ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِلْأَرْضِ أَوْ لِلْعَامِلِ، أَوْ هُوَ عَقْدُ شَرِكَةٍ فِي الْخَارِجِ، وَالتُّجَّارُ يَتَعَامَلُونَ بِهِ، فَالْمَأْذُونُ فِيهِ كَالْحُرِّ الْبَالِغِ، فَإِنْ زَارَعَ الْعَبْدُ إنْسَانًا فَلَمْ يَزْرَعْ حَتَّى حَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ فَحَيْثُ كَانَ لِلْحُرِّ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي الْمُزَارَعَةِ فَلِمَوْلَى الْعَبْدِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ وَيَحْجُرَ عَلَيْهِ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى مَنْعُ الْعَبْدِ مِنْهُ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِحَجْرِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْعَ الْمَوْلَى إيَّاهُ بِالْحَجْرِ كَامْتِنَاعِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْآخَرِ، فَكَذَلِكَ مَنْعُ الْمَوْلَى إيَّاهُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ اللَّازِمَ فِي حَالَةِ الْإِذْنِ وَلَا يُمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا فَلِلْمَوْلَى أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>