للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ أَنَّهُ كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ حِينَ عَلِقَ وَقَوْمُ الْأُمِّ كَانُوا مُجْبَرِينَ عَلَى أَدَاءِ الْأَرْشِ فَلَا يَكُونُونَ مُتَبَرِّعِينَ فِي ذَلِكَ.

وَلَوْ لَمْ يُعْتَقْ الْأَبُ فَأَرَادَ الْمَوْلَى الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ أَبِيهِ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى مِلْكِ أَبِيهِ وَقَدْ عَقَلَ عَنْهُ مَوَالِي الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ مَعَ الِابْنِ تَأَكَّدَ بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَفِي التَّحَوُّلِ إلَى غَيْرِهِ فَسْخُ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْأَبَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي تَحَوُّلِ وَلَائِهِ إلَى مَوَالِي الْأَبِ فَسْخُ ذَلِكَ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِابْنِ بَلْ فِيهِ تَأْكِيدُ ذَلِكَ وَلِأَنَّ هَذَا التَّحَوُّلَ يَثْبُتُ حُكْمًا لِضَرُورَةِ اتِّبَاعِ التَّبَعِ الْأَصْلَ وَالْأَوَّلُ يَكُونُ عَنْ قَصْدٍ مِنْهُ وَقَدْ يَثْبُتُ الشَّيْءُ حُكْمًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ قَصْدًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[بَابُ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ]

(قَالَ) إبْرَاهِيمُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ وَوَالَاهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَالْإِسْلَامُ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ وَسَوَاءٌ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ أَوْ أَتَاهُ مُسْلِمًا وَعَاقَدَهُ عَقْدَ الْوَلَاءِ كَانَ مَوْلًى لَهُ وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَقُولُ لَا وَلَاءَ إلَّا لِذِي نِعْمَةٍ يَعْنِي الْعَتَاقَ وَبِهِ يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنَّمَا أَخَذْنَا فِيهِ بِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِحَدِيثِ أَبِي الْأَشْعَثِ حَيْثُ سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَوَالَاهُ فَمَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِيرَاثُهُ لَكَ فَإِنْ أَبَيْتَ فَلِبَيْتِ الْمَالِ وَلِحَدِيثِ زِيَادَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَتَاهُ بِوَالِيهِ فَأَبَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَالَاهُ وَلِحَدِيثِ مَسْرُوقٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَالَى ابْنَ عَمٍّ لَهُ وَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ فَمَاتَ، وَتَرَكَ مَالًا فَسَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مِيرَاثِهِ فَقَالَ هُوَ لِمَوْلَاهُ وَأَيَّدَ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ، مَا السُّنَّةُ فِيهِ؟ قَالَ: هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ»، وَأَيَّدَ هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: ٣٣].

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَلَمْ يُوَالِهِ، لَمْ يُعْقَلْ عَنْهُ، وَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>