للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرِثْهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ الرَّوَافِضِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْإِسْلَامِ عَلَى يَدَيْهِ يَكُونُ مَوْلًى لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْيَاهُ بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهُ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَالْمَوْتَى فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ. فَهُوَ كَمَا لَوْ أَحْيَاهُ بِالْعِتْقِ، وَعَلَى هَذَا يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّاسَ مَوَالِي عَلِيٍّ وَأَوْلَادِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّ السَّيْفَ كَانَ بِيَدِهِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ أَسْلَمُوا مِنْ هَيْبَتِهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَنَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَحْيَاهُ بِالْإِسْلَامِ بِأَنْ هُدَاهُ لِذَلِكَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: ١٢٢] أَيْ كَافِرًا فَرَزَقْنَاهُ الْهُدَى. وَقَالَ تَعَالَى {: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٣٧] يَعْنِي بِالْإِسْلَامِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُنْعِمَ بِالْإِسْلَامِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ ذَلِكَ إلَى الَّذِي عَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ؛ لِأَنَّهُ بِمَا صَنَعَ نَائِبٌ عَنْ الشَّرْعِ مُبَاشِرٌ مَا يَحِقُّ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ فِي حَقِّهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَكُونُ مَوْلًى لَهُ مَا لَمْ يُعَاقِدْهُ عَقْدَ الْوَلَاءِ، ثُمَّ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ هَذَا التَّحَكُّمَ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أَسْلَمُوا مِنْ هَيْبَةِ عَلِيٍّ وَهُوَ كَانَ صَغِيرًا حِينَ أَسْلَمَ الْكِبَارُ مِنْ الصَّحَابَةِ؟ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَانَا مُقَدَّمَيْنِ عَلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي أُمُورِ الْقِتَالِ وَغَيْرِ الْقِتَالِ، لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَتَأَمَّلُ فِي أَحْوَالِهِمْ وَلَكِنَّ الرَّوَافِضَ قَوْمٌ بُهْتٌ لَا يَحْتَرِزُونَ عَنْ الْكَذِبِ، بَلْ بِنَاءُ مَذْهَبِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، فَإِنْ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَوَالَى رَجُلَانِ آخَرَ، فَهُوَ مَوْلَى هَذَا الَّذِي وَالَاهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِسْلَامِ عَلَى يَدَيْ الْأَوَّلِ لَمْ يَصِرْ مَوْلًى لَهُ وَلَوْ كَانَ مَوْلًى بِأَنْ عَاقَدَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ حِينَ عَاقَدَ مَعَ الثَّانِي فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْلًى لِلْأَوَّلِ؟ فَإِنْ مَاتَ عَنْ عَمَّةٍ أَوْ خَالَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْقَرَابَةِ كَانَ مِيرَاثُهُ لِقَرَابَتِهِ دُونَ الْمَوْلَى؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ عَنْ مَالِهِ بِعَقْدِهِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلَهُ وَارِثٌ وَذَوُو الْأَرْحَامِ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ.

قَالَ: «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ بِعَقْدِهِ. تَوْضِيحُهُ أَنَّ سَبَبَ ذِي الرَّحِمِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى ثُبُوتِهِ شَرْعًا، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْإِرْثِ بِهِ، وَعَقْدُ الْوَلَاءِ مُخْتَلَفٌ فِي ثُبُوتِهِ شَرْعًا فَلَا يَظْهَرُ الضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ، (فَإِنْ قِيلَ): يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى الثُّلُثُ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ يَمْلِكُ وَضْعَهُ فِيمَنْ شَاءَ. (قُلْنَا): نَعَمْ وَلَكِنَّهُ بِعَقْدِ الْوَلَاءِ مَا وَضَعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ فِيهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ وَارِثًا مِنْهُ وَفِي سَبَبِ الْوِرَاثَةِ ذُو الْقَرَابَةِ يَتَرَجَّحُ فَلَا يَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُ الْمَوْلَى مَعَهُ بِهَذَا السَّبَبِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فَإِنَّهُ خِلَافَةٌ فِي الْمَالِ مَقْصُودًا. تَوْضِيحُهُ: أَنَّ التَّمَلُّكَ بِالْوَصِيَّةِ غَيْرُ التَّمَلُّكِ بِالْإِرْثِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوصِي بِخِلَافِ الْوَارِثِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الثُّلُثِ لَهُ، لَا بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>