لِتَرَجُّحِ اسْتِحْقَاقِ الْقَرِيبِ عَلَيْهِ، وَإِذَا وَالَى رَجُلٌ رَجُلًا ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ مِنْ امْرَأَةٍ قَدْ وَالَتْ رَجُلًا، فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْأَصْلُ فِي النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، فَإِذَا كَانَ لِلْوَلَدِ فِي جَانِبِ الْأَبِ وَلَاءٌ هُوَ مُسَاوٍ لِلْوَلَاءِ الَّذِي فِي جَانِبِ الْأُمِّ يَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ، كَمَا فِي وَلَاءِ الْعِتْقِ (قَالَ) وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ وَالَتْ وَهِيَ حُبْلَى بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَإِنَّهَا إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ حُبْلَى بِهِ، وَكَانَ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُنَاكَ يَكُونُ مَقْصُودًا بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْعِتْقُ، فَإِنَّ الْجَنِينَ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ مَقْصُودًا، وَهُنَا الْجَنِينُ لَمْ يَصِرْ مَقْصُودًا بِالْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا الْعَقْدِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْقَبُولِ، وَإِذَا كَانَ تَبَعًا فَاتِّبَاعُهُ الْأَبَ أَوْلَى كَمَا بَيَّنَّا.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُمَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ حِينَ وَالَى الْأَبُ إنْسَانًا، وَقَدْ وَالَتْ الْأُمُّ قَبْلَ ذَلِكَ آخَرَ، فَالْأَوْلَادُ مَوَالٍ لِمَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأُمِّ وِلَايَةُ عَقْدِ الْوَلَاءِ عَلَى الْأَوْلَادِ فِي قَوْلِهِمَا، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهَا ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ، أَمَّا مَعَ وُجُودِ الْأَبِ فَلَا، وَلَئِنْ كَانَ لَهَا ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ فَهِيَ مَا عَقَدَتْ عَلَيْهِمْ إنَّمَا عَقَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا خَاصَّةً، وَلَئِنْ جُعِلَ عَقْدُهَا عَلَى نَفْسِهَا عَقْدًا عَلَى الْأَوْلَادِ فَعَقْدُ الْأَبِ كَذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ عَقْدٌ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يَقْبَلُ التَّحَوُّلَ، فَيُجْعَلُ الْأَبُ مُحَوَّلًا لِوَلَائِهِمْ إلَى مَنْ وَالَاهُ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ، وَلِهَذَا كَانَ الْأَوْلَادُ مَوَالٍ لِمَوَالِي الْأَبِ فَإِنْ جَنَى الْأَبُ جِنَايَةً فَعَقَلَ الَّذِي وَالَاهُ عَنْهُ فَلَيْسَ لِوَلَدِهِ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْكِبَرِ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْأَبِ تَأَكَّدَ بِعَقْدِ الْجِنَايَةِ، وَيَتَأَكَّدُ التَّبَعُ بِتَأَكُّدِ الْأَصْلِ وَكَمَا لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَمَا عَقَلَ جِنَايَتَهُ، فَكَذَلِكَ لَيْسَ لِوَلَدِهِ ذَلِكَ إذَا كَبُرَ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ هَذَا الْوَلَدُ جَنَى، أَوْ جَنَى بَعْضُ إخْوَتِهِ فَعَقَلَ عَنْهُ مَوْلَاهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ مَعَ أَوْلَادِهِ كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ فِي حُكْمِ الْوَلَاءِ، فَبِعَقْلِ جِنَايَةِ أَحَدِهِمْ بِتَأَكُّدِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ عَقْلِ الْجِنَايَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ وَلَاؤُهُمْ لَمْ يَتَأَكَّدْ فَإِنَّ تَأَكُّدَ الْعَقْدِ بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ هَذَا الْعَقْدُ مُتَأَكِّدًا قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، بَلْ أَحَدُهُمَا مُتَبَرِّعٌ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْقِيَامِ عَلَى نُصْرَتِهِ وَعَقْلِ جِنَايَتِهِ، وَالْآخَرُ مُتَبَرِّعٌ عَلَى صَاحِبِهِ فِي جَعْلِهِ إيَّاهُ خَلِيفَتَهُ فِي مَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
وَعَقْدُ التَّبَرُّعِ لَا يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مُعَاوَضَةً بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا صُورَةً، فَيَكُونُ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَا يَتِمُّ بِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ كَبِيرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute