للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُجْمِعَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، وَإِنَّمَا فَوَّضَ الْمُوصِي الرَّأْيَ فِي الْوَضْعِ إلَيْهِمَا، وَهَذَا شَيْءٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ لِاخْتِيَارِ الْمَصْرِفِ، وَرَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الْمُثَنَّى.

وَلَوْ قَالَ: قَدْ أَوْصَيْتُ بِثُلُثِي لِفُلَانٍ وَقَدْ سَمَّيْته لِلْوَصِيَّيْنِ فَصَدِّقُوهُمَا، فَقَالَ: هُوَ هَذَا وَشَهِدَا لَهُ بِذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِخُلُوِّهَا عَنْ التُّهْمَةِ وَشَهَادَةُ الْمُثَنَّى حُجَّةٌ تَامَّةٌ.

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ أَبْطَلْت قَوْلَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ بِغَيْرِ مَا شَهِدَ بِهِ صَاحِبُهُ

وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ أَنْ يَعْتِقَ، ثُمَّ أَوْصَى لَهُ أَنْ يُبَاعَ أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَهَذَا رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ التَّصَرُّفَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ نِصْفُهُ بَعْدَ مَا أَوْصَى بِبَيْعِهِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ كَانَتْ الثَّانِيَةُ رُجُوعًا عَنْ الْأُولَى فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ.

وَإِنْ أَضَافَ الثَّانِيَةَ إلَى نِصْفِهِ؛ لِأَنَّ بَيْنَ التَّصَرُّفَيْنِ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ مُنَافَاةً.

وَإِنْ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِهِ أَنْ يُبَاعَ لِرَجُلٍ آخَرَ تَحَاصَّا فِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ بَدَأَ بِالْبَيْعِ، ثُمَّ بِالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكُ أَحَدِهِمَا بِعِوَضٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ صَحِيحٍ فَلَا يَكُونُ إقْدَامُهُ عَلَى الثَّانِيَةِ دَلِيلَ الرُّجُوعِ عَنْ الْأُولَى.

وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي حَيَاتِهِ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ جَازَتْ الشَّهَادَةُ إمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَلِأَنَّ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْعِتْقُ الْمُبْهَمُ يَشِيعُ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ فَتَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى مِنْهُمَا، وَيُجْعَلُ الثَّابِتُ مِنْ إقْرَارِهِ بِشَهَادَتِهِمَا كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ.

وَلَوْ سَمِعَا ذَلِكَ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ فَهَذَا مِثْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى هَذَا مَعَهُمَا فَإِنْ كَذَّبَهُمَا ذَلِكَ الرَّجُلُ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِيهَا وَأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ بِشَهَادَتِهِمَا مَنْ يُعِينُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ.

وَإِنْ ادَّعَاهَا الرَّجُلُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَجُوزُ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ.

فَقَالَ: لَوْ سَأَلَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الرَّجُلَ وَصِيًّا مَعَهُمَا، وَالرَّجُلُ رَاغِبٌ فِي ذَلِكَ كَانَ عَلَى الْقِيَاسِ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُمَا إلَى ذَلِكَ فَلَا يُتَّهَمَانِ فِي إخْرَاجِ الْكَلَامِ مَخْرَجَ الشَّهَادَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُكَذِّبًا لَهُمَا فَهُمَا مُتَّهَمَانِ فِي إخْرَاجِ الْكَلَامِ مَخْرَجَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ سَأَلَا ذَلِكَ مِنْ الْقَاضِي لَمْ يُجِبْهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ رَاغِبًا فِيهِ، ثُمَّ إذَا كَذَّبَهُمَا الرَّجُلُ أَدْخَلْتُ مَعَهُمَا آخَرَ؛ لِأَنَّ فِي ضِمْنِ شَهَادَتِهِمَا إقْرَارًا مِنْهُمَا يُوصِي آخَرُ مَعَهُمَا لِلْمَيِّتِ، وَإِقْرَارُهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا فَلَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>