مُؤَجَّلَةٌ ثَمَنُ خَادِمٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِدْهَا أَوْ انْتَقَدَهَا إلَّا دِرْهَمًا مِنْهَا فَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِعَيْبٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ إذَا عَادَ إلَيْهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ.
وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِهَا أَوْ أَنْكَرَهَا فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَعْطَاهَا إلَى شَهْرٍ فَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا بَقِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهَا إلَى شَهْرٍ فَمِائَتَا دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شَرْطَيْنِ فِي عَقْدٍ حِينَ لَمْ يُقَاطِعْهُ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْأَجَلِ بِبَعْضِ الْمِقْدَارِ أَيْضًا فَيَكُونُ رِبًا حَرَامًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أُصَالِحُكَ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ، فَإِنْ عَجَّلْتَهَا قَبْلَ الشَّهْرِ فَهِيَ مِائَةٌ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ سَمَّاهُمَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمَا، وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ لِتَمَكُّنِ الْجَهَالَةِ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ، وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الصُّلْحُ مِنْ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ عَلَى الشَّكِّ أَوْ مَعَ أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الشَّكِّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى عَبْدٍ عَلَى أَنْ يَخْدِمَ الرَّجُلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَهْرًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ مَبِيعٌ، وَقَدْ شَرَطَا التَّأْجِيلَ فِي تَسْلِيمِهِ شَهْرًا أَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى دَارِ وَاشْتَرَطَ سُكْنَاهَا شَهْرًا أَوْ صَالَحَهُ عَلَى عَبْدٍ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَ شَهْرٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى ثَوْبٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصًا وَيَخِيطَهُ أَوْ صَالَحَهُ عَلَى طَعَامٍ عَلَى أَنْ يَطْبُخَهُ لَهُ أَوْ يَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مَنْفَعَةً لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ فَكَذَلِكَ الصُّلْحُ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى طَعَامٍ بِعَيْنِهِ فِي الْكُوفَةِ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يُوَفِّيَهُ بِالْبَصْرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الْبُيُوعِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْخِيَارِ فِي الصُّلْحِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:) اعْلَمْ بِأَنَّ حُكْمَ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الصُّلْحِ كَهُوَ فِي الْبَيْعِ فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَقْدٌ يَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ وَيُمْكِنُ فَسْخُهُ بَعْدَ انْعِقَادِهِ كَالْبَيْعِ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى عَبْدٍ عَلَى أَنْ زَادَهُ الْمُدَّعِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ إلَى شَهْرٍ وَاشْتَرَطَا الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي مِثْلِ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute