للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى بَغْدَادَ فَلَهُ أَجْرُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا بِقَدْرِ مَا سَارَ عَلَيْهَا لِمَعْنَى الْمُخَاطَرَةِ وَالضَّمَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ إجَارَةِ حَفْرِ الْآبَارِ وَالْقُبُورِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَإِذَا اسْتَأْجَرَ حَفَّارًا لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي دَارِهِ وَلَمْ يُسَمِّ مَوْضِعًا وَلَمْ يَصِفْهَا فَهُوَ فَاسِدٌ) لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَعَمَلُ الْحَفْرِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَوْضِعِ فِي الصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ وَالسُّهُولَةِ وَالصُّعُوبَةِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ الْبِئْرُ فِي الْعَرْضِ وَالْعُمْقِ، وَلَوْ سَمَّى عَشَرَةَ أَذْرُعٍ فِي الْأَرْضِ وَمِمَّا يُدِيرُ هَكَذَا ذِرَاعًا بِأَجْرٍ مُسَمًّى جَازَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ صَارَ مَعْلُومًا بِتَسْمِيَةِ الذَّرِعَانِ عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَالْمَوْضِعُ مَعْلُومٌ بِتَسْمِيَةِ دَارِهِ فَإِنْ حَفَرَ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ، ثُمَّ وَجَدَ جَبَلًا أَشَدَّ عَمَلًا وَأَشَدَّ مُؤْنَةً فَأَرَادَ تَرْكَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَى الْحَفْرِ إذَا كَانَ يُطَاقُ؛ لِأَنَّهُ إنْ الْتَزَمَ الْعَمَلَ مَعَ عَمَلِهِ عَلَى أَنَّ أَطْبَاقَ الْأَرْضِ تَخْتَلِفُ فَلَيْسَ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فَوْقَ مَا الْتَزَمَ بِالْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي الْفَسْخِ.

وَفِي الْكِتَابِ (قَالَ) إذَا كَانَ يُطَاقُ، وَمَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَّا وَيُطَاقُ فِيهِ حَفْرًا، وَلَكِنَّ مُرَادَهُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ إذَا كَانَ يُطَاقُ حَفْرًا بِآلَةِ الْحَفَّارِينَ وَلَا يَحْتَاجُ الْأَجِيرُ إلَى اتِّخَاذِ آلَةٍ أُخْرَى لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ إقَامَةَ الْعَمَلِ بِآلَةِ الْحَفَّارِينَ. فَإِذَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى اتِّخَاذِ آلَةٍ أُخْرَى لِذَلِكَ فَهَذَا ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ عُذْرًا لَهُ فِي الْفَسْخِ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ ذِرَاعٍ فِي سَهْلٍ، أَوْ طِينٍ بِدِرْهَمٍ وَكُلَّ ذِرَاعٍ فِي جَبَلٍ أَوْ مَاءٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَسَمَّى طُولَ الْبِئْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ نَوْعَيْنِ مِنْ الْعَمَلِ وَسَمَّى بِمُقَابَلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلًا مَعْلُومًا وَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ لِلتَّسْمِيَةِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَجْرِ عِنْدَ الْحَفْرِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَجْرِ مَعْلُومُ الْقَدْرِ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا عَشَرَةَ أَذْرُعٍ فِي جَبَلِ مَرْوَةَ فَحَفَرَ ذِرَاعًا، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ جَبَلًا صَمًّا صَفَا فَإِنْ كَانَ يُطَاقُ حَفْرُهُ فَهُوَ عَلَيْهِ وَالْمَرْوَةُ اللِّينُ مِنْ الْحَجَرِ الَّذِي يَضْرِبُ إلَى الْخُضْرَةِ وَالصَّفَا مَا يَضْرِبُ إلَى الْحُمْرَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ الْتَزَمَ الْحَفْرَ بِآلَةِ الْحَفَّارِينَ. فَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ يُطَاقُ الْحُفْرَةُ بِتِلْكَ الْآلَةِ فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّرْكِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُطَاقُ فَلَهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْإِجَارَةَ وَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا حَفَرَ، وَكَذَلِكَ النَّهْرُ وَالْقَنَاةُ وَالسِّرْدَابُ وَالْبَالُوعَةُ إذَا ظَهَرَ الْمَاءُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَا شَرَطَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَطَاعُ الْحَفْرُ مَعَهُ فَهَذَا عُذْرٌ؛ لِأَنَّ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي دَارِهِ فَحَفَرَهَا، ثُمَّ انْهَارَتْ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا فَلَهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>