[فَصْلٌ فِي نَصْبِ الْعَادَةِ]
أَيْضًا إذَا اُبْتُلِيَتْ الْمُبْتَدَأَةُ بِالِاسْتِمْرَارِ بَعْدَ مَا يَكُونُ مِنْهَا الصِّحَاحُ مِنْ الدِّمَاءِ وَالْأَطْهَارِ، فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَرَى دَمَيْنِ وَطُهْرَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَا مُخْتَلِفَيْنِ ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ وَالثَّالِثُ: أَنْ تَرَى ثَلَاثَةَ دِمَاءٍ وَثَلَاثَةَ أَطْهَارٍ مُخْتَلِفَةٍ ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ. وَالرَّابِعُ: أَنْ تَرَى مُتَّفِقَيْنِ بَعْدَهُمَا مُخَالِفٌ لَهُمَا ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ، وَالْخَامِسُ: أَنْ تَرَى مُتَّفِقَيْنِ بَيْنَهُمَا مَا يُخَالِفُهُمَا ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ. فَصُورَةُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ ثَلَاثَةً وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالدَّمَ ثَلَاثَةً وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ مَا رَأَتْ صَارَ عَادَةً قَوِيَّةً بِالتَّكْرَارِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ رَأَتْهُ مَرَّةً صَارَ عَادَةً لَهَا فَإِذَا رَأَتْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْلَى.
وَبَيَانُ الْفَصْلِ الثَّانِي مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا وَسِتَّةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبْنِي مَا رَأَتْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مَا رَأَتْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيدِ بْنِ مُزَاحِمٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ لَا تَبْنِي وَلَكِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهَا لَمَّا رَأَتْ أَرْبَعَةً دَمًا فَثَلَاثَةٌ مِنْهَا مُدَّةُ حَيْضِهَا، وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ حِسَابِ طُهْرِهَا، وَلَكِنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيهِ لِرُؤْيَةِ الدَّمِ فَلَمَّا طَهُرَتْ سِتَّةَ عَشَرَةً فَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهَا تَمَامُ طُهْرِهَا وَيَوْمَيْنِ مِنْ مُدَّةِ حَيْضِهَا وَلَكِنَّهَا لَمْ تَرَ فِيهِ فَلَا تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ بِدَايَةَ الْحَيْضِ لَا يَكُونُ بِالطُّهْرِ ثُمَّ جَاءَ الِاسْتِمْرَارُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ حَيْضِهَا يَوْمٌ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ حَيْضًا فَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا رَأَتْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى صَارَ عَادَةً لَهَا بِالْمَرَّةِ، وَالْوَاحِدَةُ لِمَا بَيَّنَّا وَصَاحِبَةُ الْعَادَةِ تَبْنِي مَا تَرَى عَلَى عَادَتِهَا مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَنْقُضُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ بَنَتْ عَلَيْهِ مَا تَرَى بَعْدَهُمَا فَكَذَلِكَ إذَا رَأَتْهُ مَرَّةً وَجْهُ قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ مَا رَأَتْ ثَانِيًا فِي صِفَةِ الصِّحَّةِ مِثْلُ مَا رَأَتْهُ أَوَّلًا وَإِنَّمَا تَبْنِي الْفَاسِدَ عَلَى الصَّحِيحِ فَأَمَّا الصَّحِيحُ لَا يُبْنَى عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ لِلْمُبْتَدَأَةِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَأَمَّا الْعَادَةُ فِي الْأَصْلِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَوْدِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي بِنَاءِ الصَّحِيحِ عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ بِخِلَافِ إذَا مَا رَأَتْ أَوَّلًا مَرَّتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَأَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ، وَتَرَجَّحَ بِهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا اسْتَأْنَفَتْ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تَبْنِي عَلَى أَقَلِّ الْمُدَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا عَائِدَةٌ إلَيْهَا فَالْأَقَلُّ مَوْجُودٌ فِي الْأَكْثَرِ فَتَتْرُكُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute