للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ مَا لَا يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَرْأَةِ]

(قَالَ): وَإِذَا اشْتَرَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ مَلَكَتْهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ مُنَافٍ لِمِلْكِ النِّكَاحِ، وَيَتَحَقَّقُ هَذَا الْمُنَافِي مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ فَتَكُونُ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَكَذَلِكَ الْحُرُّ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ رَقَبَتِهَا مُنَافٍ لِمِلْكِ النِّكَاحِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مَشْرُوعٌ؛ لِإِثْبَاتِ الْحِلِّ بِهِ وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَيَنْتَفِي بِتَقَرُّرِهِ مِلْكُ النِّكَاحِ ثُمَّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ رَقَبَتَهَا كَمَا يُنَافِي أَصْلَ مِلْكِ النِّكَاحِ يُنَافِي مِلْكَ الْيَدِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَبِهِ كَانَتْ مَحَلًّا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلِهَذَا لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يُجَامِعُهَا أَبُو زَوْجِهَا أَوْ ابْنُهُ أَوْ جَامَعَ الزَّوْجُ أُمَّهَا أَوْ ابْنَتَهَا فَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ بِالْمُصَاهَرَةِ تُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً كَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الطَّلَاقِ حُرْمَةٌ تَرْتَفِعُ بِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، وَقَدْ ثَبَتَتْ بَيْنَهُمَا حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ لَا تَرْتَفِعُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ مَعَ هَذَا ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ الَّتِي تَرْتَفِعُ بِالزَّوْجِ الثَّانِي وَمَتَى خَلَا السَّبَبُ عَنْ مُوجِبِهِ كَانَ لَغْوًا.

(قَالَ) وَأَهْلُ الذِّمَّةِ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُرْمَةِ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِلَّةٌ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ أَهْلُهَا فِي دِينِهِمْ فَيُخَلَّى عَنْهُمْ وَمَا اسْتَحَلُّوا مِنْ ذَلِكَ لِمَكَانِ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ يَتَزَوَّجُ أُمَّهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلُ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا يُتْرَكُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْحَرَامِ فِي النِّكَاحِ وَالْحُكْمُ يَجْرِي عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ كَمَا يَجْرِي عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ اخْتَصَمُوا أَوْ لَمْ يَخْتَصِمُوا وَهَذَا الْقَوْلُ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ خَاصَّةً وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مَعَ سَائِرِ مَا فِي الْبَابِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[بَابٌ مِنْ الطَّلَاقِ]

(قَالَ): - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، تَطْلُقُ ثَلَاثًا عِنْدَنَا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ فَتَبِينُ لَا إلَى عِدَّةٍ وَقَوْلُهُ، ثَلَاثًا يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يَقَعُ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>