للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا خَرَجَ رُبَّمَا يَبْقَى لَهُ نَسْلٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَتَخَلَّقُ وَلَدُهُ بِأَخْلَاقِ الْمُشْرِكِينَ وَلِأَنَّ مَوْطُوءَتَهُ إذَا كَانَتْ حَرْبِيَّةً فَإِذَا عَلِقَتْ مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ مَلَكُوهَا مَعَ مَا فِي بَطْنِهَا فَفِي هَذَا تَعْرِيضُ وَلَدِهِ لِلرِّقِّ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ.

[يُعْطِي الْإِمَامُ أَبَا الْغَازِي شَيْئًا مِنْ الْخُمُسِ]

وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطِي الْإِمَامُ أَبَا الْغَازِي شَيْئًا مِنْ الْخُمُسِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لِأَنَّهُ لَوْ عَرَفَ حَاجَةَ الْغَازِي إلَى ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَضَعَهُ فِيهِ فَفِي أَبِيهِ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ وَالْوَاجِبُ فِعْلُ الْإِيتَاءِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ إذَا جَعَلَهُ لِلَّهِ خَالِصًا بِقَطْعِ مَنْفَعَتِهِ مِنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَهُنَا الْخُمُسُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْغُزَاةِ بَلْ خُمُسُ مَا أَصَابُوهُ لِلَّهِ تَعَالَى يُصْرَفُ إلَى الْمُحْتَاجِينَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْغَازِي وَأَبُوهُ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ.

وَإِذَا غَزَا أَمِيرُ الشَّامَ فِي جَيْشٍ عَظِيمٍ فَإِنَّهُ يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي الْعَسْكَرِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَمِيرِ الْجَيْشِ الَّذِي فَوَّضَ إلَيْهِ الْحَرْبَ خَاصَّةً.

فَإِنْ حَاصَرَ أَمِيرُ الشَّامِ مَدِينَةً مُدَّةً طَوِيلَةً لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَجْمَعْ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ نِيَّةَ الْمُحَارِبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ الْإِقَامَةُ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّوَطُّنِ فَإِنَّهُ بَيْنَ أَنْ يَهْزِمَ عَدُوَّهُ فَيُقِرُّ أَوْ يَنْهَزِمُ فَيَفِرُّ.

وَإِذَا أَرَادَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْزُوَا أَرْضَ الْحَرْبِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ قُوَّةٌ وَلَا مَالٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُجَهِّزَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُجْعَلَ الْقَاعِدُ لِلشَّاخِصِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْجِهَادَ بِالنَّفْسِ تَارَةً وَبِالْمَالِ أُخْرَى وَالْقَادِرُ عَلَى الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ يَحْتَاجُ إلَى مَالٍ كَثِيرٍ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ الْخُرُوجِ وَصَاحِبُ الْمَالِ يَحْتَاجُ إلَى مُجَاهِدٍ يَقُومُ بِدَفْعِ أَذَى الْمُشْرِكِينَ عَنْهُ وَعَنْ مَالِهِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّعَاوُنِ بَيْنَهُمَا وَالتَّنَاصُرِ لِيَكُونَ الْقَاعِدُ مُجَاهِدًا بِمَا لَهُ وَالْخَارِجُ بِنَفْسِهِ «وَالْمُؤْمِنُونَ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» ثُمَّ دَافِعُ الْمَالِ إلَى الْخَارِجِ لِيَغْزُوَ بِمَا لَهُ يُعِينُهُ عَلَى إقَامَةِ الْفَرْضِ وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُمْ قُوَّةٌ أَوْ عِنْدَ الْإِمَامِ كَرِهْتُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَذَلِكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْإِمَامِ مُعَدٌّ لِمِثْلِ هَذِهِ الْحَاجَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَيْهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ ذَلِكَ بِمَا فِي يَدِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْغَازِي صَاحِبَ مَالٍ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِهِ وَتَمَامُ الْجِهَادِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِهِ مَالًا فَعَمَلُهُ فِي الصُّورَةِ كَعَمَلِ مَنْ يَعْمَلُ بِالْأُجْرَةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا.

أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>