للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا: إنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، كَالْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ، وَأَنَّهُ إذَا حَصَلَ مِنْ الْمَرِيضِ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا يَلْزَمُهُ بِالتِّجَارَةِ دُونَ التَّبَرُّعِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا تَصِحُّ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ، فَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا): أَنَّ الْكَفَالَةَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْمُفَاوَضَةِ؛ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ يَكُونُ كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ كَمَا يَكُونُ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا يَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالْكَفَالَةِ دَيْنٌ وَاجِبٌ بِمَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْمُفَاوَضَةِ، فَيَكُونُ مُلْزِمًا شَرِيكَهُ. كَمَا لَوْ تَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا عَنْ إنْسَانٍ بِشِرَاءِ شَيْءٍ كَانَ شَرِيكُهُ مُطَالَبًا بِثَمَنِهِ. (وَالثَّانِي): أَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَكِنَّهَا إذَا صَحَّتْ انْقَلَبَتْ مُفَاوَضَةً. أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفِيلَ يَرْجِعُ بِمَا يُؤَدِّي عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ، وَقَدْ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ هُنَا وَاَلَّذِي كَفَلَ صَارَ مُطَالَبًا بِالْمَالِ، وَلَمَّا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ انْقَلَبَتْ مُفَاوَضَةً، وَمَا يُوجَبُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِمُفَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ يُطَالَبُ بِهَا الشَّرِيكُ كَالدَّيْنِ الْوَاجِبِ بِالشِّرَاءِ بِخِلَافِ كَفَالَةِ الْمَدْيُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْمَرِيضِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ أَصْلًا، فَلَا يَكُونُ مُفَاوَضَةً. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَبَرُّعًا فِي الِابْتِدَاءِ، مُفَاوَضَةً فِي الِانْتِهَاءِ، كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ؛ فَإِنَّهُ تَبَرُّعٌ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَانَ مُفَاوَضَةً. وَإِذًا ثَبَتَ أَنَّ كَفَالَةَ أَحَدِهِمَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

قَالَ: (يَحْلِفُ الشَّرِيكُ عَلَى دَعْوَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا. فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْمَالِ، لَوْ ثَبَتَتْ الْكَفَالَةُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالْبَيِّنَةِ، فَيُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ - بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَالْأَرْشِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ -. وَإِذَا ثَبَتَ السَّبَبُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَوْ ثَبَتَتْ الْكَفَالَةُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُطَالَبًا بِالْمَالِ، فَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ أَيْضًا. قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالنَّفْسِ لَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى ذَلِكَ إذَا أَنْكَرَهُ - بِالِاتِّفَاقِ) -؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ بِحَالٍ، فَحُكْمُهُ مُقْتَصِرٌ عَلَى مَنْ بَاشَرَ سَبَبَهُ؛ لِأَنَّ كَفَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِالْمَالِ الَّذِي يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ، وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لَا تَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ.

[الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ]

قَالَ: (وَلَا تَجُوزُ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>