انْتَهَى إلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا فَقَالَ أَمَوْضِعُ كُدْسٍ هَذَا؟ فَقَالُوا لَا، فَقَالَ هَذِهِ الْأَرْضُ لَا تَصْلُحُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكْسُو نَفْسَهَا فَكَيْفَ تَكْسُونِي فَكَانَ كَمَا قَالَ فَإِذَا كَانَ الْأَعْمَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَرَضِيَ بِهَا بَعْدَمَا مَسَّهَا سَقَطَ خِيَارُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
[بَابُ الْمُرَابَحَةِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِنَسِيئَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِنَسِيئَةٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ بَيْعُ أَمَانَةٍ تَنْفِي عَنْهُ كُلَّ تُهْمَةٍ وَجِنَايَةٍ، وَيُتَحَرَّزُ فِيهِ مِنْ كُلِّ كَذِبٍ وَفِي مَعَارِيضِ الْكَلَامِ شُبْهَةٌ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ثُمَّ الْإِنْسَانُ فِي الْعَادَةِ يَشْتَرِي الشَّيْءَ بِالنَّسِيئَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَشْتَرِي بِالنَّقْدِ فَإِذَا أَطْلَقَ الْإِخْبَارَ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّمَا يَفْهَمُ السَّامِعُ مِنْ الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ فَكَانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَالْمُخْبِرِ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ، وَذَلِكَ جِنَايَةٌ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُؤَجَّلَ نَقَصَ فِي الْمَالِيَّةِ مِنْ الْحَالِّ؛ وَلِهَذَا حَرَّمَ الشَّرْعُ النِّسَاءَ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ لِلْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْمُقَابَلَةِ حُكْمًا فَإِذَا بَاعَهُ وَكَتَمَ ذَلِكَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا عَلِمَ بِالتَّدْلِيسِ الْمَوْجُودِ مِنْ الْبَائِعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا الْتَزَمَ رِبْحًا بِنَاءً عَلَى خَبَرِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِكَذَا مِنْ الثَّمَنِ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِالنَّسِيئَةِ لَمْ يَرْغَبْ فِي شِرَائِهِ بِالنَّقْدِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ فَضْلًا مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ عَلَى ذَلِكَ رِبْحًا فَلِحَاجَتِهِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ أَثْبَتْنَا لَهُ الْخِيَارَ، كَمَا إذَا وَجَدَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ دُونَ مَا شَرَطَ الْبَائِعُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ فَالْمَبِيعُ لَهُ لَازِمٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ مِنْهُ وَلَا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ.
وَمُجَرَّدُ الْخِيَارِ إذَا سَقَطَ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِسَبَبِهِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ الْمَبِيعِ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّهُ جَوَّزَ فَسْخَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ التَّحَالُفِ عَلَى الْقِيمَةِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ، وَجَعَلَ رَدَّ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ كَرَدِّ الْعَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الثَّمَنِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَالْمَعْنَى فِي الْكُلِّ تَحَقُّقُ الْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالْمُسْتَحَقُّ لِلْمُشْتَرِي هُنَاكَ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ إذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ وَهُنَا الثَّابِتُ لَهُ مُجَرَّدُ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَهْلَكَ بَعْضَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا قُلْنَا: إنَّ الْمَبِيعَ سَلِمَ لَهُ كَمَا اسْتَحَقَّهُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا، وَإِنَّمَا كَانَ مُعْتَادًا كَمَا هُوَ الرَّسْمُ بَيْنَ الْبَاعَةِ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute