وَقِيلَ: هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى دُورِهِمْ بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالسَّعَةِ وَالضِّيقِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَكُونُ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالنَّظَرِ إلَى جُدْرَانِهَا مِنْ خَارِجٍ، فَأَمَّا فِي دِيَارِنَا مَالِيَّةُ الدُّورِ تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَرَافِقِ وَكَثْرَتِهَا، وَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالنَّظَرِ إلَيْهَا مِنْ دَاخِلٍ، فَالْجَوَابُ عَلَى مَا قَالَ زُفَرُ وَمَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَحُجَّةُ زُفَرَ هُنَا الَّذِي ذَكَرْنَا الْجَوَابَ، وَحُجَّتُنَا أَنَّ النَّظَرَ إلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا مُتَعَذِّرٌ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَوْ يَنْظُرُ إلَى مَا تَحْتَ السُّورِ وَإِلَى مَا بَيْنَ الْحِيطَانِ مِنْ الْجُذُوعِ وَالْأُسْطُوَانَات وَإِذَا سَقَطَ شَرْطُ رُؤْيَةِ الْكُلِّ لِلتَّعَذُّرِ أَقَمْنَا رُؤْيَةَ جُزْءٍ مِنْهَا مَقَامَ رُؤْيَةِ الْجَمِيعِ تَيْسِيرًا
قَالَ وَالْأَعْمَى فِي كُلِّ مَا اشْتَرَى إذَا لَمْ يُقَلِّبْ وَلَمْ يَجُسَّ بِالْخِيَارِ فَإِذَا قَلَّبَ أَوْ جَسَّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّظَرِ مِنْ الصَّحِيحِ وَلَا خِيَارَ لَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَ بِهِ عَيْبًا، وَالْكَلَامُ فِي فُصُولٍ أَحَدُهُمَا جَوَازُ الْعَقْدِ عِنْدَنَا مِنْ الْأَعْمَى بَيْعًا كَانَ أَوْ شِرَاءً، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ بَصِيرًا فَعَمِيَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ كَانَ أَكْمَهَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ لَوْنَ الْأَشْيَاءِ وَصِفَتَهَا، وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ فَالنَّاسُ تَعَارَفُوا مُعَامَلَةَ الْعُمْيَانِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ، وَتَعَامُلُ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ ثُمَّ أَصْلُهُ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِهِ فَإِذَا احْتَاجَ الْأَعْمَى إلَى مَأْكُولٍ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يُوَكِّلَ بِهِ مَاتَ جُوعًا وَفِيهِ مِنْ الْقُبْحِ مَا لَا يَخْفَى فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ شِرَائِهِ قُلْنَا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِمَّا يُعْرَفُ بِالْجَسِّ أَوْ الذَّوْقِ فَهُوَ كَالْبَصِيرِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا تُعْرَفُ صِفَتُهُ بِالْجَسِّ كَمَا تُعْرَفُ بِالرُّؤْيَةِ فَالْمَسُّ فِيهِ كَالرُّؤْيَةِ مِنْ الْبَصِيرِ حَتَّى لَوْ لَمَسَهُ، وَقَالَ: رَضِيتُ بِهِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ، وَمَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ كَالْعَقَارَاتِ فَإِنَّهُ يُوصَفُ لَهُ بِأَبْلَغِ مَا يُمْكِنُ، فَإِذَا قَالَ: قَدْ رَضِيتُ سَقَطَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَصْفِ يُقَامُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِع كَمَا فِي عَقْدِ السَّلَمِ، وَالْمَقْصُودُ رَفْعُ الْعَيْنِ عَنْهُ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْوَصْفِ وَإِنْ كَانَ بِالرُّؤْيَةِ أَتَمُّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ تُعَادُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ بَصِيرًا رَأَى فَقَالَ: قَدْ رَضِيتُ سَقَطَ خِيَارُهُ وَجُعِلَ هَذَا كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ مِنْ الْأَخْرَسِ فَإِنَّهُ يُقَامُ مَقَامَ عِبَارَةِ النَّاطِقِ فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: يُوَكِّلُ بَصِيرًا بِالْقَبْضِ حَتَّى يَرَى الْبَصِيرُ فَيَقْبِضَ وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ عِنْدَهُ يُجْعَلُ فِي الرُّؤْيَةِ كَالْمُوَكِّلِ، وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخِي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يَمَسُّ الْحِيطَانَ وَالْأَشْجَارَ فَإِذَا قَالَ رَضِيتُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى إذَا كَانَ ذَكِيًّا يَقِفُ عَلَى مَقْصُودِهِ فِي ذَلِكَ بِالْمَسِّ، وَحُكِيَ أَنَّ أَعْمَى اشْتَرَى أَرْضًا فَقَالَ قِيدُونِي فَقَادُوهُ إلَيْهَا فَجَعَلَ يَمَسُّ الْأَرْضَ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute