فَإِنْ سَكَنَ هَذَا وَانْفَجَرَ الَّذِي كَانَ سَكَنَ وَهُوَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ. قَالَ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ جُرْحٍ وَاحِدٍ يَعْنِي فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ وَقَعَتْ لَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ حَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الَّذِي انْفَجَرَ كَانَ سَاكِنًا حِين تَوَضَّأَ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ لَمْ يَسْكُنْ أَصْلًا فَتَبْقَى طَهَارَتُهُ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ. وَلَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ رَقَأَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةِ بِطَهَارَةِ ذَوِي الْأَعْذَارِ وَالْعُذْرُ قَائِمٌ فَزَوَالُ الْعُذْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَالَ الْعُذْرُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْمَبْطُونِ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ اسْتِطْلَاقُ بَطْنِهِ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ أَوْ سُقُوطُ الدُّودِ أَوْ انْفِلَاتُ الرِّيحِ فَإِنَّ طَهَارَةَ هَؤُلَاءِ تَتَقَدَّرُ بِالْوَقْتِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُسْتَحَاضَةِ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ طَاهِرٍ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِي أَيِّهِمَا شَاءَتْ إذَا كَانَ الطَّاهِرُ يَفْسُدُ إذَا لَبِسَتْهُ أَمَّا إذَا صَلَّتْ فِي الطَّاهِرِ مِنْهُمَا فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عَفْوٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «قَوْلِهِ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ صَلِّي، وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ قَطْرًا» وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّتْ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي لُبْسِ الطَّاهِرِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الدَّمِ وَتُجْعَلُ صَلَاتُهَا فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ جَائِزَةً فَالصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَائِهَا فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ نُلْزِمَهَا بِتَنْجِيسِ الثَّوْبِ الطَّاهِرِ فَلِهَذَا جَوَّزْنَا صَلَاتَهَا فِي أَيِّ الثَّوْبَيْنِ لَبِسَتْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ]
(بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ) (قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَحِيضُ فِي غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسًا فَتَقَدَّمَ حَيْضُهَا فِي شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ وَلَمْ تَرَ فِي خَمْسَتِهَا شَيْئًا فَهَذَا الْمُتَقَدِّمُ لَا يَكُونُ حَيْضًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَطْلَقَ الْجَوَابَ فَقَالَ الْمُتَقَدِّمُ يَكُونُ حَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْحَاصِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَكُونُ الْمُتَقَدِّمُ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ وَفِي وَجْهٍ آخَرَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَرَأَتْ فِي أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا أَوْ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَتِهَا فَالْكُلُّ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَيُجْعَلُ تَبَعًا لِأَيَّامِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute